إليه بالعبادة ، ويستغفرون للذين آمنوا من أهل الأرض ، ويدعون لهم بالمغفرة والنعيم والفلاح. وفي الوقت ذاته تعرض مشهد الكافرين وهم ينادون :
(لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ) (١٠).
وهم في موقف المذلة والانكسار يقرون بذنبهم ، ويعترفون بربهم فلا ينفعهم الاعتراف والإقرار ، ومن هذا الموقف بين يدي الله في الآخرة ، يعود السياق ليعرض أمام الناس مظاهر أنعم الله عليهم ، ليأخذ بأيديهم إلى طريق الإيمان بالله.
(فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) (١٥).
ويعرض السياق مشهد ذلك اليوم في صورة حية مؤثرة : فقد برز الجميع أمام الله جلّ وعلا ، العالم بالظواهر والبواطن ؛ وفي المشهد تبلغ الروح الحلقوم ، وتذهب صولة الظالمين والطغاة ، فلا يجدون حميما ولا شفيعا يطاع في شفاعته ؛ لقد أصبح الملك والأمر والقضاء لله الواحد القهار.
الفصل الثاني :
رجل مؤمن يجاهد بالكلمة
يستغرق الفصل الثاني الآيات [٢١ ـ ٥٥].
ويبدأ بلفت المشركين إلى ما أصاب المكذّبين قبلهم ؛ ثم يعرض ، من قصة موسى (ع) مع فرعون وهامان وقارون ، جانبا يمثل موقف الطغاة من دعوة الحق ، ويعرض فيها حلقة جديدة لم تعرض في قصة موسى من قبل ، ولا تعرض إلا في هذه السورة ، وهي حلقة ظهور رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ، يدافع عن موسى (ع) ، ويصدع بكلمة الحق والإيمان في تلطّف وحذر في أول الأمر ، ثم في صراحة ووضوح في النهاية ، ويعرض في جدله مع فرعون حجج الحق وبراهينه القوية الناصعة ، ويحذرهم يوم القيامة ، ويمثل لهم بعض مشاهده في أسلوب مؤثر ، ويذكّرهم بموقفهم وموقف الأجيال قبلهم من يوسف (ع) ورسالته ؛ ويستطرد السياق بالقصة حتى يصل طرفها بالآخرة فإذا هم هناك ، وإذا هم