ويصوّر لهم ثوابه ، ويقرّر لهم سننه ، ويعرّفهم بنواميسه الماضية في هذا الوجود.
درسان في السورة
سورة الجاثية وحدة في علاج موضوعها ، وهذه الوحدة تشتمل على درسين :
الدرس الأول : يتناول أدلّة الشرك بالتفنيد ، وأدلة الإيمان بالتوضيح والتأييد.
والدرس الثاني : يعرض عناد الكافرين في الدنيا ، ثم يذكر أحوالهم في مشاهد القيامة.
شبهات الكفر وأدلة الإيمان
تبدأ سورة الجاثية بهذين الحرفين حم. والملاحظ أن هذه الأحرف التي تفتتح بها السور يتبعها عادة الحديث عن القرآن ، مما يشير إلى أنها نزلت للتنويه به ، وتلفت الأنظار إلى خصائصه المتميّزة ، وتبرهن بذلك على أنه ليس من صنع البشر ، وإنّما هو من عند الله :
(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (٢).
وتعرض أدلة الإيمان والتوحيد ، وتلفت الأنظار إلى جلال الله سبحانه ، ودلائل قدرته جلّ وعلا في السماء والأرض ، والخلق والدوابّ ، والليل والنهار ، والمطر والزرع والرياح ، حتى تأخذ على النفس أقطارها ، وتواجهها بالحجج والبراهين ساطعة واضحة فتقول :
(إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) (٦).
ومن خلال الآيات التالية ، نرى فريقا من الناس مصرا على الضلالة مكابرا في الحق ، شديد العناد ، سيّئ الأدب في حق الله وحق كلامه.
(وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٨).
ونرى جماعة من الناس ، ربما كانوا من أهل الكتاب ، سيّئي التصوير والتقدير ، لا يقيمون وزنا لحقيقة الإيمان الخالصة ، ولا يحسّون الفارق