الملائكة أحق بالعبادة من عيسى ، ثم بيان شرف الموحّدين في القيامة ، وعجز الكفار في جهنّم ، وإثبات ألوهية الحق سبحانه في السماء والأرض ، وأمر الرسول (ص) بالإعراض عن مكافأة الكفار» (١) في قوله تعالى :
(فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٨٩).
فصول السورة
إذا تأملنا سورة الزخرف ، وجدنا أنّه يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام :
١ ـ شبهات الكافرين
يشمل الفصل الأول الآيات [١ ـ ٢٥]. ويبدأ بالتنويه بشأن القرآن والوحي ، وبيان أنّ من سنّة الله ، جلّ جلاله ، إرسال الرسل لهداية الناس وإرشادهم ، ولكنّ البشرية قابلت الرسل بالاستهزاء والسخرية ، فأهلك الله المكذّبين.
والعجيب أن كفّار مكة كانوا يعترفون بوجود الله ، ثم لا يرتّبون على هذا الاعتراف نتائجه الطبيعية ، من توحيد الله وإخلاص التوجّه إليه ، فكانوا يجعلون له شركاء يخصّونهم ببعض ما خلق من الأنعام.
وفي هذه السورة تصحيح لهذه الانحرافات الاعتقادية ، وردّ النفوس الى الفطرة ، وإلى الحقائق الأولى ؛ فالأنعام من خلق الله ، وهي طرف من آية الحياة ، مرتبط بخلق السماوات والأرض جميعا ، وقد خلقها الله وسخّرها للبشر ليذكروا نعمة ربهم عليهم ويشكروها ، لا ليجعلوا له شركاء ، ويشرعوا لأنفسهم في الأنعام ما لم يأمر به الله ، بينما هم يعترفون بأن الله ، جل جلاله ، هو الخالق المبدع ، ثم هم ينحرفون عن هذه الحقيقة ، ويتّبعون الخرافات والأساطير :
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) (٩).
وكانت الوثنية الجاهلية تقول : إنّ الملائكة بنات الله. ومع أنهم يكرهون مولد البنات لأنفسهم ، فإنّهم كانوا يختارون لله البنات ويعبدونهنّ من
__________________
(١). بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ١ / ٤٢١ ، مع تعديل يسير.