المبحث الخامس
لغة التنزيل في سورة «غافر» (١)
قال تعالى : (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (٣).
أقول : ربما استطعنا أن نضع إشارات نقف عندها ، فنقطّع هذه الآية على النحو الآتي :
غافر الذنب ، وقابل التوب ، شديد العقاب ذي الطول ، لا إله إلا هو إليه المصير.
أقول : يتبين لنا من هذه التجزئة جمال هذا النظم البديع ، الذي اتصفت به لغة القرآن ، وعلى هذا يتّفق إحسان النظم مع إحكام المعاني والأغراض.
ألا ترى أنه حين جاء قوله تعالى : (غافِرِ الذَّنْبِ) جاء بعده (التَّوْبِ) وليس «التوبة» ، ليتوفر هذا النحو من المماثلة في الأبنية ، فيحسن بذلك النّظم.
ثم قال : (ذِي الطَّوْلِ) فتمّ بذلك ما ذهبنا إليه من حسن هذه الديباجة العامرة.
٢ ـ وقال تعالى : (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ) [الآية ٨].
أردت أن أشير إلى أنّ الفصيح «صلح» مثل كتب ، الذي ورد في الآية ، قد عدل عنه في اللغة المعاصرة خطأ إلى «فعل» مثل «عظم».
٣ ـ وقال تعالى : (كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) [الآية ٢١].
المراد بقوله تعالى : (وَآثاراً)
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.