القرآن ، كما تذكر موقف بعض بني إسرائيل منه ، وتقيم من الفطرة الصادقة شاهدا ، كما تقيم من بعض بني إسرائيل شاهدا سواء بسواء.
ثم هي تطوف بتلك القلوب في آفاق السماوات والأرض ، وفي مشاهد القيامة في الآخرة ، كما تطوف بهم في مصرع قوم «هود» ، وفي مصارع القرى حول مكة ، وتجعل من السموات والأرض كتبا تنطق بالحق ، كما ينطق هذا القرآن بالحق على السواء.
أربعة مقاطع
تشتمل سورة الأحقاف على أربعة عناصر متماسكة ، كأنها عنصر واحد ذو أربعة مقاطع :
١ ـ نقاش المشركين
يبدأ المقطع الأول بالحرفين حاء وميم ، في قوله تعالى : (حم) (١). وهي بداية تكررت في ست سور سابقة تسمى بالحواميم. وهي : «غافر» ، و «فصّلت» ، و «الشورى» ، و «الزخرف» ، و «الدّخان» ، و «الجاثية» ؛ والسورة السابعة هي «الأحقاف».
ونلحظ أن هذه السور السبع تبدأ بالحرفين حاء وميم ، ثم تعقب بذكر الكتاب ، مما يؤيد أن هذه الأحرف نزلت على سبيل التحدي لأهل مكة أن يأتوا بمثل هذا القرآن.
وتشير سورة الأحقاف في بدايتها الى القرآن فتقول : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (٢). وعقبها مباشرة الإشارة إلى كتاب الكون وقيامه على الحق وعلى التقدير والتدبير. (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) [الآية ٣] فيتوافى كتاب القرآن المتلوّ ، وكتاب الكون المنظور على الحق والتقدير.
وبعد هذا الافتتاح القوي الجامع ، يأخذ السياق في عرض قضية العقيدة مبتدئا بإنكار ما كان عليه القوم من الشرك الذي لا يا قوم على أساس من واقع الكون ، ولا يستند الى حق من القول ولا مأثور من العلم. ويعرض بعد هذا سوء استقبالهم للحق الذي جاءهم به محمد رسول الله (ص) ؛ قال تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧).
ثم يسوق ، عزوجل ، إنكارهم للحق وتطاولهم على الوحي ، واتهامهم