المبحث السابع
المعاني المجازية في سورة «فصّلت» (١)
في قوله تعالى : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) [الآية ٥] استعارة : فالأكنّة جمع كنان ، وهو الستر والغطاء ، مثل : عنان ، وأعنّة. وسنان ، وأسنّة.
وليس هناك على الحقيقة شيء ممّا أشاروا إليه. وإنّما أخرجوا هذا الكلام ، مخرج الدلالة على استثقالهم ما يسمعونه من قوارع القرآن ، وبواقع البيان. فكأنهم ، من قوة الزّهادة فيه ، وشدّة الكراهية له ، قد وقرت أسماعهم عن فهمه ، وأكنّت قلوبهم دون علمه.
وذلك معروف في عادات الناس ، أن يقول القائل منهم لمن يشنأ كلامه ، ويستثقل خطابه : ما أسمع قولك ، ولا أعي لفظك. وإن كان صحيح حاسّة السمع. إلا أنه حمل الكلام على الاستثقال والمقت.
وعلى هذا قول الشاعر (٢) :
وكلام سيّئ قد وقرت |
|
أذني عنه ، وما بي من صمم |
وفي قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (١١) استعارة. فليس هناك ، على الحقيقة ، قول ولا جواب ، وإنما ذلك عبارة عن
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). لم أهتد إلى اسم هذا الشاعر ، وقد ورد هذا البيت في «أساس البلاغة» للزمخشري مادة «وقر» ولم يذكر قائله.
وروايته في الأساس هكذا :
كم كلام سيّئ قد وقرت |
|
أذني عنه ، وما بي من صمم |