سرعة تكوين السماوات والأرض. كما قال تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٤٠) [النحل] ولو لم يكن المراد ما ذكرنا لكان في هذا الكلام أمر للمعدوم ، وخطاب لغير الموجود. وذلك يستحيل أن يكون من فعل الحكيم سبحانه.
ومعنى قوله تعالى : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (١١) أنهما جرتا على المراد ، ووقفتا عند الحدود والأقدار ، من غير معاناة طويلة ، ولا مشقّة شديدة ، فكانت في ذلك جارية مجرى الطائع المميّز ، إذا انقاد إلى ما أمر به ، ووقف عند الذي وقف عنده.
وقال بعضهم : معنى قوله سبحانه : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) أي : كونا على ما أريد منكم من لين وشدّة ، وسهل وحزونة ، وصعب وذلول ، ومبرم وسحيل (١).
والكره والشّدّة بمعنى واحد في اللغة العربية. يقول القائل منهم لغيره : أنا أكره فراقك. أي يصعب عليّ أن أفارقك.
وقال سبحانه : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) (٢١٦) [البقرة / ٢١٦] أي شديد عليكم. ومعنى الطوع هاهنا : التّسهّل والانقياد من غير إبطاء ولا اعتياص.
وإنما قال سبحانه : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (١١) بجعل السماوات والأرض كلّها كالواحدة ، والأرض جميعا كذلك ، فحسن أن يعبّر عنهما بعبارة الاثنين دون عبارة الجميع.
وأمّا قوله سبحانه : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (١١) فكان وجه الكلام أن يكون طائعتين ، أو طائعات ردّا على معنى التأنيث. فالمراد به ، والله أعلم ، عند بعضهم : قالتا أتينا بمن فينا من الخلق طائعين. فكانت كلمة «طائعين» وصفا للخلق المميّزين ، لا وصفا للسماوات والأرض.
وقال بعضهم : لمّا تضمّن الكلام ذكر السماوات والأرض في الخطاب لهما ، والكناية عنهما بما يخاطب به أهل التمييز ، ويكنى به عن السامعين الناطقين ، أجريتا في ردّ الفعل إليهما مجرى العاقل اللبيب ، والسامع المجيب. وذلك مثل قوله تعالى :
__________________
(١). المبرم : الخيط أو الحبل الذي فتل فتلتين ، والسّحيل : الحبل الذي فتل فتلا واحدا.