(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (٤) [يوسف]. ولو أجري اللفظ على حقيقته ، وحمل على محجّته لقيل ساجدات. ولكن المراد بذلك : أنه ، لما كان ما أشرنا إليه ، حسن أن يقال ساجدين ، وطائعين.
وقوله سبحانه : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) [الآية ١٧] استعارة. والمراد بالعمى هاهنا ظلام البصيرة ، والمتاه في الغواية. فإن ذلك أخفّ على الإنسان ، وأشد ملاءمة للطباع ، من تحمّل مشاقّ النظر ، والتلجيج في غمار الفكر.
وفي قوله تعالى : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢٣) استعارة : لأنّ الظن الذي ظنّوه على الحقيقة لم يردهم بمعنى : يهلكهم ، وإنّما أهلكهم الله سبحانه جزاء على ما ظنّوه به من الظنون السّيئة ، ونسبوه إليه من الأفعال القبيحة. فلمّا كان ذلك الظنّ سببا في هلاكهم ، جاز أن ينسب إليه الهلاك الواقع بهم.
وفي قوله سبحانه : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) [الآية ٣٩] استعارة ، وقد مضى الكلام على نظيرها في سورة «الحج». إلا أن هاهنا زيادة هي صفة الأرض بالخشوع ، كما وصفت هناك بالهمود. واللفظان جميعا يرجعان إلى معنى واحد ، وهو ما يظهر على الأرض من آثار الجدب ، وأعلام المحل ، فتكون كالإنسان الخاشع الذي قد سكنت أطرافه ، وتطأطأ استشرافه.
وفي قوله سبحانه : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٤٢) استعارة. وقد قيل فيها أقوال : منها أن يكون المراد بذلك أن هذا الكتاب العزيز ، لا يشبهه شيء من الكلام المتقدم له ، ولا يشبهه شيء من الكلام الوارد بعده. فهذا معنى : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) لأنه لو أشبهه شيء من الكلام المتقدّم ، أو الكلام المتأخّر ، لأبطل معجزته وفصم حجّته. فكأنّ الباطل ، قد أتاه من إحدى الجهتين المذكورتين ، إمّا من جهة أمامه ، وإمّا من جهة ورائه. وهذا معنى عجيب.
وقال بعضهم : معنى ذلك أنّه لا تعلق به الشّبهة من طريق المشاكلة ، ولا الحقيقة من جهة المناقضة ، فهو