تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) (١٢).
ان الفارق الرئيس بين الإنسان والحيوان : أن للإنسان إرادة وهدفا ، وتصوّرا خاصّا للحياة يا قوم على أصولها الصحيحة المتلقّاة من الله خالق الحياة. فإذا فقد الإنسان هذا التصوّر ، فقد أهم الخصائص المميّزة لجنسه ، وأهم المزايا التي من أجلها كرّمه الله جلّ جلاله.
ثم تمضي السورة في سلسلة من الموازنات بين المؤمن المتيقّن ، والكافر الذي اتّبع هواه وشيطانه ، وزيّن له سوء العمل : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) (١٤).
كما تصف الآيات متاع المؤمنين في الجنّة بشتّى الأشربة الشهيّة ، من ماء غير آسن ، ولبن لم يتغيّر طعمه ، وخمر لذة للشّاربين ، وعسل مصفّى ، في وفر وفيض ، في صورة أنهار جارية. ذلك مع شتى الثمرات ومع المغفرة والرّضوان ؛ ثم سؤال : هل هؤلاء المتمتعون بالجنة والرّضوان (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) (١٥)؟
٢ ـ خصال المنافقين
تشمل الآيات [١٦ ـ ٣٠] المقطع الثاني من هذه السورة ، وفيها حديث عن المنافقين وصفاتهم ، وحركة النفاق حركة مدنيّة لم يكن لها وجود في مكة نظرا لضعف المسلمين فيها وتفوّق أعدائهم. فلما هاجر المسلمون الى المدينة وبدأ شأن الإسلام في الظهور والاستعلاء ، بدأت حركة النفاق في الظهور والنموّ ، وساعدها على الظهور وجود اليهود في المدينة ، بما لهم من قوّة مادّيّة وفكريّة ، وبما يضمرونه للدّين الجديد من كراهية. وسرعان ما اجتمع اليهود مع المنافقين على هدف واحد ، ودبّروا أمرهم بليل ، فأخذ المنافقون في حبك المؤامرات ودسّ الدسائس في كلّ مناسبة تعرض ، فإن كان المسلمون في شدّة ظهروا بعدائهم وجهروا ببغضائهم ؛ وإذا كانوا في رخاء ظلّت الدسائس سرّيّة ، والمكايد في الظلام ؛ وكانوا ، الى منتصف العهد المدني ، يشكّلون خطرا حقيقيّا على الإسلام والمسلمين. وقد تواتر ذكر المنافقين ووصف دسائسهم ، والتنديد بمؤامراتهم وأخلاقهم في السور المدنية ؛ كما تكرّر ذكر اتصالهم