وشتان ما بين مؤمن راسخ الإيمان ، صادق اليقين ، معتمد على ربّ كريم حليم ؛ وبين كافر ضالّ يبيع الحق ، ويشتري الباطل ، ويفرّط في الإيمان والهدى ، ويتبع الشرك والضلال.
ثم تحثّ السورة المسلمين على قتال المشركين ، وقطع شوكتهم وهدم جبروتهم ، وإزالة قوّتهم من طريق المسلمين : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) وهذا الضرب بعد عرض الإسلام عليهم وإبائهم له ، (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ). والإثخان شدّة التقتيل حتّى تتحطّم قوّة العدوّ وتتهاوى ، فلا تعود به قدرة على هجوم أو دفاع ؛ وعندئذ يؤسر من استأسر ويشدّ وثاقه ، (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) (٤) ، أي إمّا أن يطلق سراحهم بعد ذلك بلا مقابل ، وإمّا أن يطلق سراحهم مقابل فدية من مال أو عمل ، أو في نظير إطلاق سراح المسلمين المأسورين ، (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) حتى تنتهي الحرب بين الإسلام وأعدائه المناوئين له.
ولو شاء الله لانتقم من المشركين وأهلكهم كما أهلك من سبقهم بالطوفان والصيحة والريح العقيم ، ولكن الله أراد أن يختبر قوة المؤمنين وأن يجعلهم سبيلا لإعزاز الدين وإهلاك الكافرين. والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضيع أعمالهم فهم شهداء ، عند الله يتمتّعون بجنات خالدة ونعيم مقيم ، وأرواحهم في حواصل طير خضر ، تسبح حول الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتقيم في ألوان النعيم. وقد وعد الله الشهداء بحسن المثوبة والكرامة والهداية وصلاح البال ودخول الجنة ، لأنهم نصروا دين الله فسينصرهم الله ويثبّت أقدامهم ، كما توعّد الكافرين بالتعاسة والضلال والهلاك جزاء كفرهم وعنادهم.
وتسوق السورة ألوانا من التهديد للمشركين ، فتأمرهم أن يسيروا في الأرض فينظروا ماذا أصاب المكذّبين من الهلاك والدمار. ثم تمضي السورة في ألوان من الحديث حول الكفر والإيمان ؛ فتصف المؤمنين بأنهم في ولاية الله ورعايته ، والكفّار بأنهم محرومون من هذه الولاية.
وتفرّق السورة بين متاع المؤمنين بالطيبات ، وتمتّع الكافرين بلذائذ الأرض ، كالحيوانات : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ