والإساءة والإحسان (١) وبيان شريعة الإسلام والإيمان ، وتهديد العصاة والخائنين من أهل الإيمان ، وذم متابعي الهوى ، وذل الناس في المحشر ، ونسخ كتب الأعمال من اللوح المحفوظ ، وتأبيد الكفار في النار وتحميد الرب المتعال بأوجز لفظ وأفصح مقال (٢) ، في قوله جلّ وعلا :
(فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٣٦).
سمات السورة
لاحظنا أن سورة الدخان تتميز بقصر الآيات ، وعنف الإيقاع فيها كأنه مطارق تقرع القلوب. وسورة الجاثية بجوارها تسير في يسر وهوادة وإيضاح هادئ وبيان دقيق عميق.
والله سبحانه خالق القلوب ، ومنزل هذا القرآن ، يأخذ القلوب تارة بالقرع والطرق ، وتارة باللمس الناعم الرفيق ، وتارة بالبيان الهادئ الرقيق ، حسب تنوّعها هي وأخلافها. فمن الناس من ينفع معه الزجر والوعيد ، ومنهم من يأسره التوجيه الهادي الرشيد ، والقلب الواحد يتقلّب على حالات متعدّدة ، والله يختار له ما يناسب ، وهو سبحانه اللطيف الخبير ، السميع البصير. وقد كان من دعاء النبي (ص) : «اللهم يا مقلّب القلوب والأبصار ، ثبّت قلبي على دينك» ، فقالت عائشة : يا رسول الله أراك تكثر من هذا الدعاء ... فقال النبي : يا عائشة ، إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن ، يقلبها كيف يشاء.
منهج السورة
تصوّر سورة الجاثية جانبا من استقبال المشركين للدعوة الإسلامية ، وطريقتهم في مواجهة حججها وآياتها ، وتعنّتهم في مواجهة حقائقها وقضاياها ، واتّباعهم للهوى اتّباعا كاملا ، في غير ما تحرّج من حقّ واضح ، أو برهان ظاهر. كذلك تصوّر كيف كان القرآن يعالج قلوبهم الجامحة ، الشاردة مع الهوى ، المغلقة دون الهدى. وهو يواجهها بآيات الله القاطعة ، العميقة التأثير والدلالة ، ويذكّرهم بعذابه ،
__________________
(١). لعلّه يقصد الإشارة إلى آيات الله الكونية في نفع العباد في الدنيا ثم في عقوبة الكفّار في الآخرة.
(٢). بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ١ / ٤٢٦.