والانسانية ، حقائق تفتح للقلب وللعقل آفاقا عالية ، وآمادا بعيدة ، وتثير في النفس والذهن خواطر عميقة ومعاني كبيرة ، وتشمل ، من مناهج التكوين والتنظيم ، وقواعد التربية والتهذيب ، ومبادئ التشريع والتوجيه ، ما يتجاوز حجمها وعدد آياتها مئات المرات.
«وهي تبرز أمام النظر أمرين عظيمين للتدبير والتفكير. وأول ما يبرز للنظر ، عند مطالعة السورة : أنها تستقل بوضع معالم كاملة لعالم رفيع كريم نظيف سليم ، متضمّنة القواعد والأصول والمبادئ والمناهج التي يا قوم عليها هذا العالم ، والتي تكفل قيامه أولا وصيانته أخيرا ، عالم يصدر عن الله ، ويتجه الى الله ، ويليق أن ينتسب الى الله ، عالم نقي القلب نظيف المشاعر ، عفّ اللسان ، وقبل ذلك عفّ السريرة ، عالم له أدب مع الله وأدب مع رسوله ، وأدب مع نفسه ، وأدب مع غيره ، أدب في هواجس ضميره ، وفي حركات جوارحه ، وفي الوقت ذاته له شرائعه المنظمة لأوضاعه ، وله نظمه التي تكفل صيانته ، وهي شرائع ونظم تقوم على ذلك الأدب ، وتنبثق منه ، وتتّسق معه. فيتوافى باطن هذا العالم وظاهره ، وتتلاقى شرائعه ومشاعره ، وتتوازن دوافعه وزواجره ، وتتناسق أحاسيسه وخطاه وهو يتجه ويتحرك الى الله. ومن ثمّ لا يوكل قيام هذا العالم الرفيع الكريم النظيف السليم وصيانته ، لمجرد أدب الضمير ونظافة الشعور ، ولا يوكل كذلك لمجرد التشريع والتنظيم ، بل يلتقي هذا بذاك في انسجام وتناسق ، كذلك لا يوكل لشعور الفرد وجهده ، كما لا يترك لنظم الدولة وإجراءاتها ، بل يلتقي فيه الأفراد بالدولة ، والدولة بالافراد ، وتتلاقى واجباتهما ونشاطهما في تعاون واتّساق» (١).
معاني السورة
اشتملت السورة على طائفة كريمة من المعاني الإسلامية والآداب الدينية ، فقد أمرت المسلمين ألا يصدروا في أحكامهم إلّا عن طاعة الله والتزام أوامره ، ويجب ألا يسبقوا أحكام الله ، وأن يجعلوا اختيارهم وذوقهم الديني تابعا لهدى الله.
__________________
(١). في ظلال القرآن ، للاستاذ سيد قطب ٢٦ / ١٢٥.