وهي تأمرهم بالتزام الأدب أمام النبي الكريم ، وبحسن المعاملة وخفض الصوت عند خطاب الرسول الأمين ، لأنه هو خاتم المرسلين ، وهو الذي بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ، ونصح الأمّة ، وربّى المسلمين تربية إلهية ، حتى صاروا خير أمة أخرجت للناس [الآيات ٢ ـ ٥].
وتأمر السورة المسلمين أن يتثبّتوا في أحكامهم ، وألا يصدّقوا أخبار الفاسقين وإشاعات المغرضين وأراجيف المرجفين ، فالرسول معهم ، وهدى القرآن والسنّة بين أيديهم ، وحقائق الإيمان وأحكامه واضحة أمامهم ، وقد حبّب الله إليهم الإيمان وحجب عنهم الكفر والعصيان ؛ فلله الفضل والمنّة ، وهو العليم بعباده الحكيم في أفعاله [الآيات ٦ ـ ٨].
والمؤمنون أمّة واحدة ، ربّهم واحد وقبلتهم واحدة ، وكتابهم واحد ، ودينهم يا قوم على التسامح والتعاون والتناصح. فإذا حدث خلاف بين طائفتين ، أو قتال ونزاع ، فمن الواجب أن نحاول الصلح بينهما ؛ وإذا أصرّت إحدى الطائفتين على البغي والعدوان فمن الواجب أن نقف في وجه المعتدي حتى يفيء الى الحق ، وعلينا أن نؤكّد مفاهيم الحق والعدل ، وأن نحثّ على الإصلاح ورأب الصّدع ، حفاظا على وحدة الأمة ، وجمع شمل المسلمين [الآيات ٩ ـ ١٠].
وتأمر الآيات بالبعد عن السخرية والاستهزاء بالآخرين ، فالإنسان إنسان بمخبره وإنسانيته لا بمظهره وتعاليه. وهناك قيم حقيقية لمقادير الناس ، هي حسن صلتهم بالله ورضى الله عنهم. فقد يسخر الغني من الفقير ، والقوي من الضعيف ، وقد تسخر الجميلة من القبيحة ، والشابة من العجوز ، والمعتدلة من المشوّهة. ولكن هذه وأمثالها من قيم الأرض ليست المقياس. فميزان الله يرفع ويخفض بغير هذه الموازين ، وربّ أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبرّه. وتحرّم الآيات كذلك اللمز والسخرية بالآخرين ، والتنابز بالألقاب التي يكرهها أصحابها ويحسّون فيها مهانة وعيبا. فشتّان ما بين آداب الإيمان ، وما بين الفسوق والعصيان ، وظلم الآخرين [الآية ١١].
وتستمر الآيات فتنهى عن ظنّ السوء ، وعن تتبّع عورات الناس حتّى يعيش الناس آمنين على بيوتهم وأسرارهم ، وحتّى تصان حقوقهم