على وجود الأحكام الإنشائية في الشرع الأنور هو انه جعل البراءة بالنسبة إلى من لا يعلم الحكم فلو كان للحكم مرتبة واحدة فلا بد ان يكون المجعول هو الاحتياط فمن جعل البراءة نفهم ان وجود الحكم في مرتبة الإنشاء والجعل غير وجوده في مرتبة الفعلية وهي مرتبة وصوله بالطرق المجعولة إلى المكلف الّذي يكون في الخارج ولا يكون الحكم فعليا إلّا بصيرورته مكلفا وخروجه عن حالة الصباوة إلى حالة البلوغ.
فان قلت عليه ان هذا لا يوجب القول بالتصويب لأن ظن المجتهد بالاخرة يكون طريقا إلى الحكم الإنشائي من الشرع قلت له قده ان يقول ان ظن المجتهد يكون تمام الموضوع لفعلية الحكم وان كان طريقا بحيث لو لم يحصل هذا الظن بالحكم الإنشائي لا تحصل الفعلية هذا حاصل مرامه قده.
ولكن يمكن الجواب عنه بان فعلية الحكم ليس بفعلية الموضوع بل الحكم فعلى من أول الأمر بالنسبة إلى الموضوع على فرض وجوده مثل ما إذا قال المولى ان رزقت ولدا فاختنه فان الختان محبوب عنده على فرض وجود الولد ولا حالة منتظرة له واما جعل البراءة فليس كاشفا عن إنشائية الحكم بل الشارع بمقدار حبه لحفظ واقعه يحفظه.
فربما لا يكون حبه إليه إلّا بان يبينه بواسطة إنزال الكتب وإرسال الرسل وعلى فرض عدم المشافهة بواسطة جعل الحكم لقبول خبر العادل وان كان الدسّ في الاخبار أيضا ربما يوجب عدم وصوله واقعا إلى المكلف وعلى فرض عدم الوصول بأي طريق كان يجعل البراءة بقوله رفع ما لا يعلمون وليس له عشق بالنسبة إلى المطلوب أزيد من هذا المقدار.
وربما يكون حبه إلى الواقع بمقدار لا يحب فوته بأيّ وجه كان فيجعل الاحتياط إذا لم يصل الحكم بالطرق المجعولة كما في جعله في باب الفروج والدماء فليست البراءة كاشفة عن وجود الحكم الإنشائي واما التحريك والبعث فهو لا يكون