عدم إجزاء الصدقة الواقعة قبل القيام ، لأن عدم الإجزاء هذا ، إن كان ناشئا من تقييد المادة فهو ، وإن كان ناشئا من تقييد الهيئة ، فتقييد الهيئة يستلزم تقييد المادة أيضا ، فالخلاصة هي : أن هذا البيان المتصل في كلام المولى ، يكون دليلا على تقييد المادة على كل حال.
وبهذا تنخرم مقدمات الحكمة في جانب المادة ، لأن إحدى مقدمات الحكمة في جانب المادة هي : أن لا يأتي المولى في كلامه بما يكون دليلا على التقييد ، والمفروض أنه أتى في كلامه بما يكون دليلا على التقييد ، بينما مقدمات الحكمة في جانب الهيئة غير منخرمة ، لانعدام ما يصلح في كلام المولى لتقييدها.
وقد تقدّم وقلنا : بأن كون البيان المتصل يلزم منه التقييد ، هذا اللزوم لا يغني ، وقد قالوا في المنطق الأرسطي : إنّ الدال على اللازم الأعم لا يدل على الملزوم الأخص ، وعليه فمقدمات الحكمة في الهيئة تامة ، ويجري الإطلاق فيها بلا معارض ، بعد انخرام هذه المقدمات في طرف المادة.
٢ ـ النحو الثاني : هو أن يفرض كون القيد متجها ابتداء إلى أحد المركزين : إمّا المادة ، وإمّا الهيئة ، لكن المكلّف لم يشخّص أيّ المركزين يريد.
في مثل ذلك ، إن بنينا أنّ تقييد الهيئة لا يستلزم تقييد المادة ، إذن فهذا البيان يكون متجها نحو أحد المركزين : إمّا المادة فقط ، وإمّا الهيئة فقط ، وفي مثل ذلك لا يحصل التعارض بين الإطلاقين ، لأنّ التعارض بين الإطلاقين فرع تماميّة مقدمات الحكمة في كل من الموردين ، يعني فرع تماميّة الظهور الذي تولده مقدمات الحكمة فيهما.
وفي المقام نعلم أن مقدمات الحكمة منخرمة في أحدهما ، لأنّ القيد المتصل هنا يصلح لتقييد أحد الإطلاقين ، ولكن المكلّف لا يدري على أيّهما انصبّ القيد ، إذن فهنا لا تعارض بين الحكمتين ، وبين ظهوري الإطلاقين.