قال ابن قدامة في المغني ج ١٢ ص ٨٠ :
(فصل : ظاهر كلام أحمد والخرقي أنه لا يعتبر في ثبوت أحكام التوبة من قبول الشهادة وصحة ولايته في النكاح إصلاح العمل ، وهو أحد القولين للشافعي ، وفي القول الآخر يعتبر اصلاح العمل ... ولأن عمر رضي الله عنه لما ضرب صبيغا أمر بهجرانه حتى بلغته توبته ، فأمر أن لا يكلم إلا بعد سنة. ولنا : قوله عليهالسلام التوبة تجب ما قبلها ، وقوله التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، ولأن المغفرة تحصل بمجرد التوبة فكذلك الأحكام ، ولأن التوبة من الشرك بالاسلام لا تحتاج الى اعتبار ما بعده وهو أعظم الذنوب كلها ، فما دونه أولى! فأما الآية فيحتمل أن يكون الاصلاح هو التوبة وعطفه عليها لاختلاف اللفظين ، ودليل ذلك قول عمر لأبي بكرة تب أقبل شهادتك ، ولم يعتبر أمرا آخر ، ولأن من كان غاصبا فرد ما في يديه أو مانعا الزكاة فأداها وتاب الى الله تعالى قد حصل منه الإصلاح ، وعلم نزوعه من معصيته بأداء ما عليه ، ولو لم يرد التوبة ما أدى ما في يديه. ولأن تقييده بالسنة تحكّم لم يرد الشرع به ، والتقدير إنما يثبت بالتوقيف) انتهى.
الى هنا تلاحظ أن كلام ابن قدامة كلام فقهي قوي .. ثم أخذ ينقض مبانيه التي أثبتها لتوه فقال :
(وما ورد عن عمر في حق صبيغ إنما كان لأنه تائب من بدعة وكانت توبته بسبب الضرب والهجران فيحتمل أنه أظهر التوبة تسترا بخلاف مسألتنا. وقد ذكر القاضي أن التائب من البدعة يعتبر له مضي سنة لحديث صبيغ رواه أحمد في الورع قال : ومن علامة توبته أن يجتنب من كان يواليه من أهل البدع ، ويوالي من كان يعاديه من أهل السنة. والصحيح أن التوبة من البدعة كغيرها إلا أن تكون التوبة بفعل يشبه الإكراه كتوبة صبيغ فيعتبر له مدة تظهر أن توبته عن إخلاص لا عن إكراه. وللحاكم أن يقول للمتظاهر بالمعصية تب أقبل شهادتك قال مالك لا أعرف هذا ، قال الشافعي وكيف لا يعرفه وقد أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بالتوبة ، وقاله عمر لأبي بكرة!!) انتهى.