ومن جهة ثالثة ، قامت بتشكيل لجنة لجمع القرآن ، مكونة من الخليفة عمر وزيد بن ثابت .. وطال عمل هذه اللجنة ولم تقدم الى المسلمين نسخة القرآن ، بل بقيت النسخة التي جمعتها بيد الخليفة عمر ..
لذلك بقيت الدولة الإسلامية بلا نسخة رسمية للقرآن طوال عهد أبي بكر وعمر ، وكانت الدولة تجيب على اختلاف الناس في قراءة نص القرآن برواية الأحرف السبعة .. حتى تفاقمت المشكلة وكادت تنفجر .. فنهض بالأمر الخليفة عثمان وكتب نسخة القرآن الفعلية في سنة ٢٥ هجرية!!
والأدلة على أن القرآن كان مجموعا من عهد النبي صلىاللهعليهوآله كثيرة .. نذكر منها أولا الأدلة التمهيدية التي تثبت أن الكتابة كانت ميسرة في عهد النبي صلىاللهعليهوآله بل وقبله ، خاصة في المدن .. وترد ادعاء الباقلاني وغيره الذين برروا عمل السلطة بأن الكتابة لم تكن متيسرة في عهد النبي صلىاللهعليهوآله وعهد الخليفتين أبي بكر وعمر ، ثم تيسرت في عهد الخليفة عثمان ..! فإن عشرات النصوص بل مئاتها في المصادر ، ترد هذا الادّعاء.
فمن ذلك : آية الدين أطول آية في كتاب الله تعالى ، التي أمر تعالى فيها مجتمع المدينة وعموم المسلمين بكتابة الديون حتى اليومية منها ، فقال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ، وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً ، فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ ، فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) .. الى آخر الآية الكريمة.
ومن ذلك : أن النبي صلىاللهعليهوآله أول من دوّن الدواوين ، وليس الخليفة عمر كما يذكر بعضهم ، فقد كان عند النبي ديوان فيه أسماء كل المسلمين ، وديوان فيه أسماء المجاهدين .. قال البخاري في صحيحه ج ٤ ص ٣٣ :
(... عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه قال قال النبي صلىاللهعليهوسلم : أكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس ، فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل ، فقلنا نخاف ونحن ألف وخمسمائة؟! فلقد رأيتنا ابتلينا حتى أن الرجل ليصلي وحده وهو خائف!