تحت التأليف لأمثاله ، ينتظر الناشرون اكتماله لينشروا نسخته! ولكن السورة الواحدة من القرآن كانت حدثا عقائديا وفكريا وسياسيا ، وكان المسلمون يستقبلون نزولها بأرواحهم قبل ألسنتهم ، ويكتبونها لأنفسهم ولدعوة الناس بها الى الإسلام! ثم إذا نزلت آية أو سورة جديدة كتبوها أيضا!
ومما يدل على ذلك : ما رواه الترمذي في سننه ج ٤ ص ١٤٠ :
(... عن أبي الدرداء قال كنا مع النبي صلىاللهعليهوسلم فشخص ببصره الى السماء ، ثم قال : هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شىء. فقال زياد بن لبيد الأنصارى : كيف يختلس منا ، وقد قرأنا القرآن فو الله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا! قال : ثكلتك أمك يا زياد إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة! هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى ، فما ذا تغني عنهم؟!).
ورواه أحمد في مسنده ج ٥ ص ٢٦٦ وفيه تصريح أوضح بوجود المصاحف ، قال :
(... عن أبي إمامة الباهلي قال لما كان في حجة الوداع قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يومئذ مردف الفضل بن عباس على جمل آدم فقال : يا أيها الناس خذوا من العلم قبل أن يقبض العلم وقبل أن يرفع العلم وقد كان أنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ ، عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ). قال فكنا نذكرها كثيرا من مسألته واتقينا ذلك حين أنزل الله على نبيه صلىاللهعليهوسلم ، قال فأتينا اعرابيا فرشوناه برداء قال فاعتم به حتى رأيت حاشية البرد خارجة من حاجبه الأيمن ، قال ثم قلنا له سل النبي صلىاللهعليهوسلم ، قال فقال له : يا نبي الله كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف ، وقد تعلمنا ما فيها وعلمناها نساءنا وذرارينا وخدمنا؟! قال فرفع النبي صلىاللهعليهوسلم رأسه وقد علت وجهه حمرة من الغضب قال فقال : أي ثكلتك أمك ، وهذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف لم يصبحوا يتعلقوا بحرف مما جاءتهم به أنبياؤهم! ألا وإن من ذهاب العلم أن يذهب حملته ، ثلاث مرار!).
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ١ ص ١٩٩ ، وروى عدة روايات بمعناه.