وهي روايات مرفوضة لأن تدوين القرآن كان أدق مما يتصوره أصحاب هذا الكلام .. وقد وجدت رواية يظهر أنها أصدق وصف لعملية التدوين ، وأن كتّاب القرآن كانوا مقيدين حرفيا بما يمليه المملي سعيد بن العاص .. وهي ما رواه ابن شبة في نفس المكان عن أبان بن عثمان ، قال (... عن الزبير أن خاله قال : قلت لأبان بن عثمان وكان ممن حضر كتاب المصحف : كيف كتبتم والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة فقال : كان الكاتب يكتب والمملي يملي ، فقال اكتب ، قال : ما أكتب؟ قال أكتب والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة). انتهى ، وإنما قال له المملي ذلك لأنه يملي من نسخة دقيقة ولا يتصرف فيها بحرف. وقد أشرنا الى أن تمييز أحد المعطوفات بإعراب عن الباقية له دلالة في اللغة العربية ، كما تضع تحت كلمة خطا أو تكتبها بحرف كبير.
كذلك لا يمكن لباحث مدقق أن يقبل الروايات التي تقدمت عن الخليفة عثمان ، التي تدعي أن في القرآن خطأ أو لحنا ، وأن العرب ستقومه بألسنتها! سواء كانت صادرة عن الخليفة أو مكذوبة عليه .. لأنها تتنافى مع واقع القرآن الذي قرأه ملايين العرب بعد جمعه وفيهم الفصحاء والأدباء ، وفيهم العدو الذي يبحث عن نقطة ضعف في القرآن ، ولم يستطيعوا أن يأخذوا على نسخته التي بأيدينا غلطا أو لحنا .. ولأنها تتنافى مع ثقة الخليفة بالمملي والنسخة التي أملاها كما قدمنا.
ومما يؤيد ضعف كل الروايات التي تنتقد نسخة المصحف الإمام ، أن المعارضين لتوحيد القرآن قاموا بجملة كبيرة ، واتهموا النسخة التي جمعها الخليفة عثمان بأن فيها نقاط ضعف ، من أجل تبرير بقائهم على قراءاتهم السابقة! ولا شك أن بعض هذه الروايات إن لم يكن كلها من مقولاتهم وموضوعاتهم!
وقد برأ ابن تيمية الخليفة عثمان من هذه الروايات ولكنه لم يبرئ أم المؤمنين عائشة! قال في تفسيره ج ٥ ص ٢٠٧ :
(وهذا ما يبين غلط من قال في بعض الألفاظ إنه غلط من الكاتب ... قال الزجاج في قوله (الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) قول من قال إنه خطأ بعيد جدا ، لأن الذين جمعوا القرآن هم أهل اللغة والقدوة ، فكيف يتركون شيئا يصلحه غيرهم فلا ينبغي أن ينسب هذا إليهم.