** (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة السادسة .. وهو على لسان السيد المسيح ـ عليهالسلام ـ مخاطبا بني إسرائيل مصدقا لما تقدمه من الكتب كالتوراة والزبور ومبشرا بمجيء رسول اسمه أحمد أي كثير الحمد لربه. المراد به هو الرسول الكريم محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لأن «أحمد» من صفاته ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقد سمت العرب في الجاهلية أحمد. وسموا : حامدا وحميدا فحميد يمكن أن يكون تصغير «حمد» أو تصغير «أحمد» من الباب الذي يسميه النحويون ترخيم التصغير كما صغروا «أسود» فقالوا : سويدا و «أخضر» فقالوا : خضيرا. وسموا حميدان وحمادا. وقد سمت العرب في الجاهلية أيضا رجالا من أبنائها : محمدا وقيل : بلغ من سمي «محمدا» خمسة عشر رجلا و «محمد» مشتق من «الحمد» وهو مفعل وهذه اللفظة صفة تلزم من كثر منه فعل ذلك الشيء ـ أي الحمد ـ روى بعض نقلة العلم أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لما ولد أمر عبد المطلب بجزور فنحرت ودعا رجال قريش وكانت سنتهم في المولود إذا ولد في استقبال الليل كفئوا عليه قدرا حتى يصبح ففعلوا ذلك بالنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فأصبحوا وقد انشقت هذه القدر وهو شاخص إلى السماء فلما حضرت رجال قريش وطعموا قالوا لعبد المطلب : ما سميت ابنك هذا؟ قال : سميته محمدا قالوا : ما هذا من أسماء آبائك .. قال : أردت أن يحمد في السموات والأرض ؛ فمحمد : مفعل ـ اسم مفعول ـ لأنه حمد مرة بعد مرة كما تقول : كرمته وهو مكرم وعظمته وهو معظم إذا فعلت به ذلك مرارا. قال الشاعر :
امنن علينا رسول الله في كرم |
|
فإنك المرء نرجوه وننتظر |
يا خير طفل ومولود ومنتخب |
|
في العالمين إذا ما حصل البشر |
امنن على نسوة قد كنت ترضعها |
|
إذ فوك تملؤه من محضها الدرر |
الشاعر هو رجل من بني سعيد بن بكر قد وفد بعد أن أصيبت هوازن في حنين .. مع قوم ممن أسلموا منهم وفدوا إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقالوا : يا رسول الله إنا أهل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك. وقام رجل من هذه العشيرة الذين حاربوا قريشا في عكاظ ودخلوا الإسلام بعد وقعة حنين .. وكانت مع الوفد حليمة السعدية التي أرضعته ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقال : يا رسول الله إن في الحظائر ـ حظائر الغنم ـ مع السبايا العانيات ـ أي الأسيرات ـ عماتك وخالاتك وحواضنك ـ جمع حاضنة ـ اللاتي كن يكفلنك .. ولو أنا ملحنا ـ أي أرضعنا ـ للحرث بن أبي شمر أو للنعمان بن المنذر ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به رجونا وفادته علينا .. وأنت خير المكفولين ثم أنشد الأبيات المذكورة آنفا واختتم الأبيات بقوله :
لا تجعلنا كمن شالت نعامته |
|
واستبق منا فإنا معشر زهر |
يقال : شالت نعامة القوم : إذا ذهب عزهم أو تفرقت كلمتهم أو ارتحلت جماعتهم. وقد نزل لهم رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن كل ما ناله ونال عشيرته من سبيهم وذرا ربهم واستشفعوا به إلى المسلمين من جنده فنزل لهم المهاجرون والأنصار عن كل ما حازوه وأبى جماعة من الأعراب أن ينزلوا عما قسم لهم منهم. وكلمة «ملحنا مأخوذة من الممالحة وهي المواكلة والرضاع ومن أسماء «اللبن» : الملح.