** (ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة السادسة .. وقد حذف المشار إليه «الوبال» الصفة أو البدل لاسم الإشارة لأن ما قبله يدل عليه. وأنث الفعل «كانت» مع اسمها «الرسل» وهو لفظة مذكرة «جمع رسول» وذلك لأنه فصل عنه بفاصل أو جاء التأنيث على لفظ «الرسل» بمعنى «جماعة» وليس على معناها فقالوا : كيف يهدينا بشر أي أنكروا كون الرسل بشرا و «البشر» هم الخلق لا واحد له من لفظه ويأتي للمفرد والجمع. وقيل : إن لفظة «بشر» مفردة لفظا في بعض آي الذكر الحكيم وجمع على المعنى في آيات أخرى وفي الآية الكريمة المذكورة جاء الفعل «يهدوننا» بصيغة ـ الجمع. قال بعض النحاة : يقال : بشر يهدوننا ـ على المعنى ـ وبشر يهدينا ـ على اللفظ ـ وأجازوا أن يقال : حضر ثلاثة نفر إلى عشرة نفر لأن لفظة «نفر» بمعنى جماعة وهي من الواحد إلى العشرة واللفظة : اسم جمع. ولم يجيزوا القول : حضر ثلاثة قوم ولا ثلاثة بشر .. ومثل «نفر» لفظة «رهط» وإنما أجازوا ثلاثة نفر وثلاثة رهط لأن هاتين اللفظتين تشيران إلى عدد قليل. و «بشر» تعني العدد الكثير ولفظة «قوم» تعني الكثير والقليل وهو لا واحد له من لفظه شأنه في ذلك شأن لفظة «الخلق».
** (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة السابعة يقال : زعم ـ يزعم ـ زعما .. من باب «نصر» بمعنى : قال والمصدر «زعما» ثلاثي الزاي أي تظهر الحركات الثلاث : الضم والفتح والكسر على الزاي .. وقيل : فتح الزاي للحجاز وضمها لأسد وكسرها لغيرهما أي لأهل قيس ويطلق الفعل بمعنى القول ويطلق على الظن نحو : في زعمي كذا ويطلق على الاعتقاد ومنه قوله تعالى في الآية الكريمة المذكورة. وقال الأزهري : وأكثر ما يقال أو يطلق الزعم فيما يشك فيه ولا يتحقق وقال بعضهم : هو كناية عن الكذب وقال المرزوقي : أكثر ما يستعمل فيما كان باطلا أو فيه ارتياب. وقال ابن القوطية : يقال : زعم زعما : بمعنى : قال خبرا لا يدري أحق هو أو باطل .. ومن أخطائهم قولهم : تزعم الرجل قومه .. وهم يريدون به : صار زعيما .. وصوابه القول : زعم ـ زعامة .. فعل مجرد أما الفعل المزيد «تزعم» فيعني : تكذب .. احترف الكذب أو تكلفه وإن أجاز بعض المصادر هذا الفعل بهذا المعنى أي بمعنى : صار زعيما للقوم إلا أن الفعل الثلاثي «زعم» هو الأفصح.
** (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة. والمراد بالنور : القرآن الكريم. وفي مواضع أخرى من الذكر الحكيم سميت «الحجة» برهانا لبياضها وإنارتها من قولهم للمرأة البيضاء : برهرهة ـ بتكرير العين واللام معا ـ والدليل على زيادة النون قولهم : أبره الرجل : إذا جاء بالبرهان. ونظيره : تسميتهم إياها أي الحجة : سلطانا .. من «السليط» وهو الزيت لإنارتها. و «النور» هو الضوء أيا كان وهو خلاف «الظلمة» وقيل : النور : هو كيفية تدركها الباصرة «العين» أولا وبواسطتها سائر المبصرات .. وقيل : إن سواد العين هو نورها .. وقد تناول الشعراء ذلك في أشعارهم فقال الشاعر في تفضيل سواد العين على بياضها :
وإن سواد العين في العين نورها |
|
وما لبياض العين نور فيعلم |
وقال شاعر آخر :
رب سوداء وهي بيضاء معنى |
|
يحسد المسك عندها الكافور |
مثل حب العيون يحسبه النا |
|
س سوادا وإنما هو نور |