أي قل باسم الله ثم اقرأ. وقد حذف مفعول «خلق» الأول وذكر في «خلق الانسان» وذلك لأن المراد أنه هو الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه. فلم يقدر له مفعول .. أو يكون المفعول محذوفا أو بتقدير : خلق كل شيء : فيتناول كل مخلوق لأنه مطلق .. فليس بعض المخلوقات أولى بتقديره من بعض. وقوله سبحانه «خلق الانسان» تخصيص للإنسان بالذكر من بين ما يتناوله الخلق لان التنزيل إليه وهو أشرف ما على الأرض. ويجوز أن يراد : الذي خلق الإنسان كما قال في سورة «الرحمن» : (عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ) فقيل : الذي خلق مبهم ثم فسره سبحانه بقوله : خلق الانسان. تفخيما لخلق الانسان ودلالة على عجيب فطرته. وفي قوله تعالى : (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) حذف مفعولا «علم» المتعدي إلى مفعولين من باب الايجاز .. المعنى : علم الإنسان الكتابة بالقلم في حين ذكر مفعولا «علم» في الآية الكريمة التالية (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) وفي هذا القول الكريم يتجلى كرمه سبحانه حيث دل عزوجل فيه على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ونبه سبحانه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو جلت قدرته وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة ولو لا الكتابة لما استقامت أمور الدين والدنيا ولو لم يكن على دقيق حكمة الله ولطيف تدبيره دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به. وقرأ ابن زبير الآية الكريمة : «علم الخط بالقلم».
** (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية. المعنى : ما أنت يا محمد بسبب ما أنعم عليك ربك بالنبوة وحصافة الرأي بمجنون كما زعم المشركون الجهلة.
** سبب نزول الآية : أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : كانوا يقولون عن النبي محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إنه مجنون ثم شيطان فنزلت الآية الكريمة.
** (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة .. أي أيكم الذي فتن بالجنون والباء زائدة وقيل : بأيكم المجنون لأن «المفتون» مصدر من مصادر «فتن» كالفتون سواء بسواء. والفاتن ـ اسم فاعل ـ بمعنى : المضل. وفعله ثلاثي «فتن» وهو لغة أهل الحجاز. قال الفراء : أهل الحجاز يقولون : «ما أنتم عليه بفاتنين» وأهل نجد يقولون : «بمفتنين ..» من أفتنت .. أي اسم فاعل للفعل الرباعي. والباء في الآية الكريمة «بأيكم» زائدة كما في قوله تعالى : «وكفى بالله شهيدا» والمفتون : الفتنة وهو مصدر كالمعقول والمحلوف. وجاءت الباء زائدة لأن قبله : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) قال الشاعر : ألم تعلم مسرحي القوافي .. أي تسريحي القوافي .. وقال زهير : وذبيان هل أقسمتم كل مقسم .. أي كل إقسام. وذلك كثير الاستعمال. وقال الفيومي : ونقل بعضهم عن سيبويه أنه منع مجيء المصدر موازن مفعول وأنه تأول ما ورد من ذلك فتقدير معسورة وميسورة عنده : من وقت يعسر فيه إلى وقت يوسر فيه فالأول هو المشهور في الكتب قال أبو عبيد في باب المصادر وعلى مثال مفعول : حلفت محلوفا : مصدر. ومثله المعسور والميسور والمجلود .. هذه لفظه وقد يأتي اسم الفاعل بمعنى المصدر سماعا نحو قم قائما : أي قياما. قال الشاعر :
ولا أنا ممن يزجر الطير همه |
|
أطار غراب أم تعرض ثعلب |
ولا السانحات البارحات عشية |
|
أمر سليم القرن أم مر أعضب |