هناك ـ يد ولا غل ـ وكما يقال للأقطع ـ أي المقطوع اليد ـ الشحيح : يده مغلولة أيضا .. وهو مثل في البخل .. والفعل للساعة أو للحال : أي يوم تشتد الحال أو الساعة كما تقول : كشفت الحرب عن ساقها .. على المجاز. وقيل : الكشف عن الساق هو كناية عن الشدة والكرب فهو يوم القيامة الذي يشمر فيه عن الساعد ويكشف فيه عن الساق ويشتد الكرب والضيق .. فيدعى هؤلاء المتكبرون إلى السجود فلا يملكون السجود إما لأن وقته قد فات وإما لأن أجسامهم وأعصابهم مشدودة من الهول على غير إرادة منهم فزالت قدرتهم عليه.
** (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة والأربعين .. يقول الله تعالى لرسوله الكريم محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : كله إلي فإني يا محمد أكفيكه كأنه يقول : حسبك إيقاعا به أن تكل أمره إلي وتخلي بيني وبينه أي فدعه لي وسوف أتولى أمره .. وفي القول الكريم تهديد للمكذبين بالقرآن سنستدرجهم من الجهة التي لا يشعرون أنه استدراج لهم بالعذاب .. أي سنرزقهم النعمة والصحة فيجعلون رزقنا ذريعة إلى ازدياد الكفر والمعاصي .. وفي القول الكريم جاء الضمير في «نستدرجهم» بصيغة الجمع وهو عائد على من يكذب بالقرآن وذلك على معنى «من» وكذلك الضمير في «يعلمون» في حين جاء الفعل «يكذب» بصيغة المفرد ـ الإفراد ـ وهو عائد على «من» أيضا وذلك على لفظ «من» لأن «من» مفردة لفظا مجموعة معنى. وفي القول الكريم تسلية وتسرية لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وتهديد للمكذبين. والمراد : حسبي .. مجازيا لمن يكذب بالقرآن فلا تشغل قلبك بشأنه وتوكل علي في الانتقام منه. وعن الكذب والكذابين قيل الكثير من أشعار الشعراء وأمثال العرب .. وكان المدعو «مسيلمة» مشتهرا بالكذب حتى قيل في أمثال العرب : أكذب من مسيلمة .. وهناك عادة ذميمة قبيحة أخرى هي خلف الوعد. فقد قيل : خلف الوعد خلق الوغد. ولله در من قال فيمن وعد ولم ينجز ما وعد :
ووعدتني وعدا حسبتك صادقا |
|
فغدوت من طمعي أجيء وأذهب |
وإذا جلست أنا وأنت بمجلس |
|
قالوا مسيلمة وهذا أشعب |
ومسيلمة الكذاب : هو رئيس بني حنيفة من أهل الردة تنبأ وكتب إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ؛ أما بعد : فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك. فأجابه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب ؛ أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. فحاربه أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ بجنوده المسلمين وقتل على يدي وحشي قاتل حمزة وكان يقول : قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام .. أراد في جاهليتي وإسلامي. وكانت «سجاح» بنت المنذر امرأة مسيلمة الكذاب .. وكانت متنبئة قبل أن يتزوجها وكانت شريفة ؛ فلما تزوجها أسلمت له فأتبعه قومها وهم بنو حنيفة .. ثم لما قتل مسيلمة تابت سجاح وحسن إسلامها وقول بني حنيفة في مسيلمة : رحمان اليمامة هو من باب تعنتهم في كفرهم .. لأن لفظة «الرحمن» لا تستعمل في غير اسم الله تعالى.
** (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية والخمسين أي من شدة تحديقهم ونظرهم إليك شزرا بعيون العداوة والبغضاء يكادون يزلون قدمك. وقيل : نظر إلي هذا الرجل نظرا يكاد يصرعني ويأكلني.