يكون نائبا عن المصدر المؤكد لعامله لأنه ملاقيه في الاشتقاق أو هو اسم للمصدر أقيم الاسم مقام المصدر لأن المصدر إذا كان لأفعل فاسم المصدر : فعال. والمعنى : أنشأكم منها فاستعير الإنبات للإنشاء لأنه أدل على التكوين من الأرض.
** (وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً ..) وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا : هذا القول الكريم هو نص الآيتين الكريمتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين. و «كبارا» مبالغة في الكبر أي مكر الرؤساء بتحريض السفلة على قتل نوح ـ عليهالسلام ـ مكرا عظيما أي مفرطا في الكبر والضمير في «مكروا» يعود على «من» في الآية الكريمة السابقة (وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً) وجاء بصيغة المفرد في «يزده ماله» على لفظ «من» وفي صيغة الجمع في «مكروا» على معنى «من» لأن «من» مفرد لفظا مجموع معنى. وحذف مفعول «تذرن» اختصارا المعنى ولا تذرن عبادة آلهتكم ولا تذرن عبادة ود .. وبعد حذف المفعول المضاف «عبادة» أقيم المضاف إليه «آلهتكم» و «ود» والأسماء بعده مقامه فانتصبت «آلهتكم» على المفعولية كما انتصبت الأسماء الأخرى أيضا على المفعولية .. والأسماء «ودا» وما بعده هي أسماء لأصنام شأنها في ذلك شأن : اللات والعزى ومناة الثالثة فهي أسماء أصنام كانت لقريش .. وكأن هذه الأصنام أو المسميات كانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم فخصوها بعد قولهم : «لا تذرن آلهتكم» فقد انتقلت هذه الأصنام عن قوم «نوح» عليهالسلام ـ إلى العرب .. فكان «ود» على صورة رجل وهو صنم لكلب .. و «سواع» على صورة امرأة ـ وهو صنم لهذيل ـ أو همدان ـ و «يغوث» على صورة أسد ـ صنم لمذحج .. أو لغطيف عند سبأ ـ و «يعوق» على صورة فرس ـ صنم لهمدان «لمراد» و «نسرا» لحمير .. وهي أصنام لآبائهم .. ولذلك سمت العرب بعبد ود وعبد يغوث قال الزمخشري : وقيل : هي أسماء رجال صالحين. وقيل : من أولاد آدم ماتوا فقال إبليس لمن بعدهم : إنهم كانوا يعبدونهم فعبدوهم. وقرأ الأعمش : ولا يغوثا ويعوقا وقرئ ودا ـ بضم الواو ـ قال الزمخشري : قراءة الأعمش قراءة مشكلة لأنهما إن كانا عربيين أو أعجميين ففيهما سببان لمنع الصرف. إما التعريف ووزن الفعل وإما التعريف والعجمة ولعله قصد الازدواج فصرفهما لمصادفته أخواتهما منصرفات «ودا» و «سواعا» و «نسرا» و «النسر» هو طائر معروف وجمعه : أنسر ونسور حاد البصر .. ومن أشد الطيور وأرفعها طيرانا وأقواها جناحا .. تخافه كل الجوارح وهو أعظم من العقاب له منقار متعقف في طرفه وله أظفار ولكنه لا يقوى على جمعها وحمل فريسته بها كما يفعل العقاب بمخالبه. وكنيته : أبو الأبرد وأبو الإصبع وأبو مالك وأبو يحيى .. وأنثاه يقال لها : أم قشعم. و «النسر» أيضا : كوكب وهما اثنان يقال لأحدهما : النسر الطائر وللآخر : النسر الواقع .. ويجمع النسر جمع قلة على «أنسر» وجمع كثرة على «نسور» مثل «أشهر» و «شهور» ويقال : إن النسر لا مخلب له وإنما له ظفر كظفر الدجاجة.
(أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ) (٣)
(أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) : يعرب إعراب «أن أنذر قومك» على الوجهين وكسر نون «أن» لالتقاء الساكنين وعلامة بناء «اعبدوا» حذف النون لأن مضارعه من