(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (٥)
هذه الآية الكريمة تعرب إعراب الآية الكريمة السابقة ـ الرابعة ـ الرجز : العذاب أي واترك ما يؤدي إليه من المآثم أي واترك أو واهجر الأعمال التي تؤدي إلى عذاب ربك ومنها وساوس الشيطان.
(وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (٦)
(وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) : الواو عاطفة. لا : ناهية جازمة. تمنن : فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. تستكثر : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. وجملة «تستكثر» في محل نصب حال من ضمير «تمنن» بمعنى : ولا تعط مستكثرا رائيا لما تعطيه كثيرا أو طالبا الكثير.
** (قُمْ فَأَنْذِرْ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية .. المعنى : انهض يا أيها النبي المتدثر فحذر ـ خوف قومك من عذاب الله فحذف مفعول «أنذر» وهو «قومك» وقيل : الصحيح هو فافعل الإنذار من غير تخصيص له بأحد.
** سبب نزول الآية : أخرج البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستنبطت الوادي فنودي علي فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء فرجعت فقلت : دثروني فأنزل الله تعالى قوله الكريم : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ).
** (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة .. المعنى : وطهر ثيابك ونقي قلبك أي وطهر باطنك من العيوب لأن اللفظة من الكنايات فتحتمل المعنيين .. وعن الثياب الطاهرة قال عمر بن الخطاب المروءة الظاهرة هي الثياب الطاهرة .. يحكى أن علي بن أبي طالب نظر إلى رجل طويل الثياب فقال : يا هذا .. أقصر من هذا .. فإنه أنقى وأتقى وأبقى. يقصد بذلك أن قصر الثوب قليلا يقيه شر التلوث بما قد يكون على الأرض من أوساخ. وأتقى : أي أقل تكبرا أما و «أبقى» فمعناه : يدوم أكثر ولا يهترئ بسرعة وفي هذه العبارة بلاغة في تشابهها خطا ولفظا. جاء في أمثال العرب : فلان أكسى من بصلة .. قيل هذا المثل لمن لبس الثياب الكثيرة وضرب بالبصلة لكثرة قشورها بعضها فوق بعض. و «الثوب» لفظة مذكرة يجمع على «ثياب» و «أثواب» وهو ما يلبسه الناس من كتان وحرير وخز وصوف وقطن وفرو ونحو ذلك .. واستعملت لفظة «الثياب» كناية عن بعض صفات الناس .. فقولهم : هذا رجل طاهر الثياب : يعنون به : طاهر النفس .. منزه عن العيب .. وعلى الضد منه قولهم : هذا رجل دنس الثياب : بمعنى : خبيث الفعل .. وفي الآية الكريمة جاء الأمر بأن تكون الثياب طاهرة من النجاسات .. وقيل : هو أمر بتقصيرها ومخالفة العرب في تطويلهم الثياب وجرهم الذيول وذلك ما لا يؤمن معه إصابة النجاسة