وتوجع وقد تأتي بمعنى المدح والتعجب والاستحسان ومثلها لفظة «ويل» فجاءت» بمعنى التعجب والاستحسان كقولنا : قاتله الله ما أشجعه! وهي في الأصل بمعنى الدعاء على الشخص. قال الحطيئة : ويل للشعر من راوية السوء و «الراوية» اسم فاعل .. للفعل «روى» بمعنى : نقل وذكر فهو راو والتاء فيه للمبالغة بمعنى الكثير الرواية مثل «علامة» بمعنى : الكثير العلم.
** (وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة والعشرين. أي وجعلنا فيها جبالا رواسخ ثابتات عالية فحذف الموصوف «جبالا» وحلت الصفة «رواسي» محله وجعلنا لكم سقيا ماء عذبا جدا يكسر العطش. يقال : فرت الماء ـ يفرت ـ فروتة .. من باب «سهل» سهولة : إذا عذب ولا يجمع إلا نادرا على فرتان ـ بكسر الفاء ـ والفرات ـ كما ذكر الفيومي ـ نهر عظيم مشهور يخرج من حدود الروم ثم يمر بأطرف الشام ثم بالكوفة ثم بالحلة ثم يلتقي مع دجلة في البطائح ويصيران نهرا واحدا ثم يصير عند شط العرب. وقيل : الفرات : نهر الكوفة. والفراتان : هما الفرات ودجيل ـ قال الأزهري : دجيل : نهر صغير يتخلج من دجلة. يقال : عبرت دجلة ـ بدون ألف ولام ـ للعلمية والتأنيث ولهذا لا تنصرف هذه اللفظة ـ أي لا تنون ـ لأنها اسم علم والأعلام ممنوعة من آلة التعريف. والتقدير : عبرت نهر دجلة فحذف المفعول المضاف «نهر» وحل المضاف إليه «دجلة» محله. أما الدال فيجوز فيها الفتح والكسر فالفتح ذكره الفيومي ـ صاحب المصباح والكسر ذكره الجوهري ـ صاحب الصحاح ـ وقيل : سمي بذلك لأنه غطى الأرض بمائه حين فاض .. لأننا نقول : دجل أو دجل الرجل الشيء : بمعنى : غطاه. واللفظة يجوز فيها التذكير والتأنيث فالتأنيث على اللفظ والتذكير على نية النهر .. ويقال : هذا ماء فرات وهذه مياه فرات. وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : رفعت إلى السدرة ـ أي سدرة المنتهى ـ لكونه ينتهي إلى ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله تعالى كما قال ابن مسعود : ومعنى الرفع تقريب الشيء» فإذا أربعة أنهر نهران ظاهران ونهران باطنان. فأما الظاهران فالفرات «نهر الكوفة» والنيل «نهر مصر» وأما الباطنان فنهران في الجنة «أي هما السلسبيل» والكوثر فيما قاله مقاتل فأوتيت بثلاثة أقداح : قدح فيه لبن وقدح فيه عسل وقدح فيه خمر فأخذت الذي فيه اللبن فشربت فقيل لي : أصبت الفطرة أنت وأمتك ـ وهو علامة الإسلام والاستقامة. وقد وردت كلمة «الفرات» في وصف ابن عباس عليا ـ رضي الله عنهما ـ عند ما قال : كان علي أمير المؤمنين يشبه القمر الباهر والأسد الخادر والفرات الزاخر والربيع الباكر : أشبه من القمر ضوؤه وبهاءه ومن الأسد شجاعته ومضاءه ومن الفرات جوده وسخاءه ومن الربيع خصبه وحياءه.
** (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ..) كأنه جملت صفر : هذان القولان الكريمان هما نصا الآيتين الكريمتين الثانية والثلاثين والثالثة والثلاثين .. المعنى إن جهنم ترمي بشرر كالبناء العظيم المرتفع شبه سبحانه الشرر بالقصر لارتفاعه تعظيما وتخويفا من النار وإرهابا للكفرة .. وشبهه أيضا بالجمالات الصفر ـ جمع جمل ـ وصفر : أي سود تضرب إلى الصفرة.
** (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة والثلاثين .. المعنى : فإن كان بإمكانكم عمل كيد ـ حيلة ـ هنا في دفع العذاب عنكم نتيجة ما كنتم تعملون للمؤمنين في الدنيا فأتوا به لإنقاذ أنفسكم .. يقال لهم هذا القول من باب التقريع لهم والتوبيخ على كيدهم لدين الله والتسجيل عليهم بالعجز والاستكانة.