(فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) : جار ومجرور متعلق بخلقنا. وصرف «أحسن» وهو أفعل التفضيل لأنه أضيف وهو في الأصل ممنوع من الصرف على وزن «أفعل» ومن وزن الفعل يجر بالفتحة بدلا من الكسرة إلا إذا أضيف أو عرف بالألف واللام. تقويم : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى : في أحسن تعديل لشكله وصورته. والمراد جنس الإنسان.
** (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الأولى : المراد بالتين والزيتون : شجرهما .. يحكى أن معاذ بن جبل مر بشجرة الزيتون فأخذ منها قضيبا واستاك به وقال : سمعت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقول : نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة وهي سواكي وسواك الأنبياء من قبلي. والسواك بغصن الزيتون يطيب الفم ويذهب بالحفرة : أي صفرة الأسنان.
** (وَطُورِ سِينِينَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية .. وأضيف (طُورِ) وهو اسم الجبل إلى «سينين» وهي البقعة التي تضم هذا الجبل .. أقسم الله تعالى بطور سيناء للتجلي الإلهي الذي حدث فيه عند ما كلم موسى عليه. وأخرج الجماعة «مالك وأصحاب الكتب الستة» عن البراء بن عازب قال : كان النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقرأ في سفره في إحدى الركعتين بالتين والزيتون فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه.
** (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة .. المعنى : وهذا البلد الآمن .. وهو من «الأمن» والبلد الأمين : هو مكة المكرمة حماها الله سبحانه وكرمها بالكعبة المشرفة وجعلها حرما آمنا للناس أجمعين. والأمين : هو الموثوق به أي المأمون الثقة نحو قولنا : هذا رجل مأمون الغائلة «أي الشر» ليس له مكر يخشى. ومنه القول : أمن الرجل أمانة فهو أمين ثم استعمل المصدر في الأعيان مجازا. فقيل : الوديعة أمانة. قال عمر بن كلثوم في معلقته :
قفي نسألك هل أحدثت صرما |
|
لو شك البين أم خنت الأمينا |
يقول الشاعر : قفي مطيتك نسألك هل أحدثت قطيعة لسرعة الفراق؟ أم هل خنت حبيبك الذي تؤمن خيانته؟ والصرم : هو القطيعة. و «الوشك» هو السرعة ومنه «الوشيك» أي السريع. والأمين أيضا بمعنى : المأمون ـ فعيل بمعنى مفعول ـ والأمان : بمعنى : الأمانة. والإيمان : هو التصديق. أما «المؤمن» فهو اسم فاعل للفعل «آمن» وهو أيضا من أسماء الله الحسنى .. لأنه سبحانه آمن عباده من أن يظلمهم. والأمن : ضد الخوف ويعني أيضا الاطمئنان وسكون القلب فالأمين في الآية الكريمة المذكورة آنفا : بمعنى : الآمن وهو من «الأمن» والأمين والمأمون والمؤتمن من صفات رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهي كصفاته الأخرى مثل : الحامد .. المحمود .. محمد .. المجتبى .. المصطفى .. المختار ومن أقواله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «المسلم من أمن الناس بوائقه» أي شروره «جمع بائقة».
** سبب نزول الآية : أخرج الترمذي عن أبى هريرة قال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «فإذا قرأ أحدكم» «والتين والزيتون» فأتى على آخرها (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) فليقل : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين أي نعم أنت سبحانك أحكمهم قضاء.