إلى غير ذلك ممّا ليس هاهنا محلّ ذكره.
نعم ينبغي أن يعلم أن المدار في صدق امتثال الأمر بالكلمة المشتملة على الضّاد صدق ذلك عليه في عرف القارئين كغيره من الحروف ، فوسوسة كثير من النّاس في الضّاد وابتلاءهم بإخراجه ومعرفة مخرجه في غير محلّها ، وإنّما نشأ ذلك من بعض جهّال من يدّعي المعرفة بعلم التجويد من بنى فارس المعلوم صعوبة اللّغة العربيّة عليهم ، وإلّا فمتى كان اللّسان عربيّا مستقيما خرج الحرف من مخرجه من غير تكلّف ضرورة ، وإلّا لم يصدق عليه اسم ذلك الحرف عرفا ، كما هو واضح.
وعلى ذلك بنوا وصف مخارج الحروف إلى شفويّة مثلا ، وغيرها ، لبعض الأغراض المتعلّقة لهم بذلك ، وليس المقصود منه تميّز النطق بالحروف قطعا ، فإنّ ذلك يكفى فيه صدق الاسم وعدمه ، ولا يحتاج الى هذا التدقيق الذي لا يعلمه إلا الأوحدى من الناس ، بل لا يمكن معرفته على وجه الحقيقة إلّا لخالق الخلق الّذى أودعهم قوّة النطق ، والله أعلم (١).
وأمّا البحث عن مخارج الحروف ، وأنّها هل هي ثلاثة كما عن بعضهم ، أو أنّها ثمانية ، كما عن آخرين ، أو أربعة عشر ، كما عن قطرب ، والفرّاء ، وابن دريد (٢) ، أو ستّة عشر ، كما عن كثير من القرّاء والنحاة ، أو سبعة عشرة ، كما عن الخليل (٣) ، وبعض القدماء ، واختاره جمهور المتأخّرين فلا يهمّنا البحث عنه ، ولا عن تعيين مخرج كلّ حرف من الحروف بعد فقد التعبّد في شيء من ذلك ،
__________________
(١) جواهر الكلام ج ٩ ص ٣٩٩ ـ ٤٠٠.
(٢) هو محمد بن الحسن بن دريد اللغوي المتوفى ببغداد سنة (٣٢١) ـ الاعلام ج ٦ ص ٣١٠.
(٣) هو الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدى اللغوي المتوفّى (١٧٠ ه) ـ الأعلام ج ٢ ص ٣٦٣.