بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (١) وإذا تفرّغ نفسه من الأسباب تجرّد قلبه لقراءة القرآن ، فلا يعترضه عارض فيحرمه نور القرآن ، وإذا اتخذ مجلسا خاليا ، واعتزل عن الخلق بعد أن أتى بالخصلتين الأوليين استأذن روحه وسرّه بالله ، ووجد حلاوة مخاطبات الله تعالى عباده الصالحين ، وعلم لطفه بهم ، ومقام اختصاصه لهم بفنون كراماته ، وبدايع إشاراته ، فاذا شرب كأسا من هذا المشرب ، فحينئذ لا يختار على ذلك الحال حالا ، ولا على ذلك الوقت وقتا ، بل يؤثره على كلّ طاعة وعبادة ، لأنّ فيه المناجاة مع الربّ بلا واسطة ، فانظر كيف تقرأ كتاب ربّك ، ومنشور ولايتك ، وكيف تجيب أوامره ونواهيه ، وكيف تمثّل حدوده ، فإنّه كتاب عزيز ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، فرتّله ترتيلا ، وقف عند وعده ووعيده ، وتفكّر في أمثاله ومواعظه ، واحذر أن تقع من إقامة حروفه في إضاعة حدود (٢).
اعلم أنّ المقصود الأصلى من الذكر ، والدعاء ، والتلاوة ، ونحوه إنّما هو التجنّب عن مهاوي الغفلة ، والجهالة ، والتخلّص عن فيافى بيداء الضلالة ، والتحقّق بحقيقة العبوديّة للحقّ المعبود ، والاستغراق في بحار الأنوار الشهود ، والتمكّن على بساط حريم حرم القدس ، واستشمام نفحات مواهب الأنس ، وكشف سبحات الجلال ، لإشراق أنوار تجليّات الجمال ، وذوق لذّة المناجاة الّتى هي لذائذ ثمار جنّات الوصال.
وهذا كلّه لا يحصل ما لم يحصل الطهارة الكليّة عن أرجاس الشواغل القلبيّة والبدنيّة ، فكما أنّ من ليس له الطهارة البدنية يحرم عليه مسّ ظاهر خطّ
__________________
(١) النحل : ٩٨.
(٢) مصباح الشريعة ، الباب الرابع عشر ـ المحجّة البيضاء ج ٢ ص ٢٤٩.