المصحف بظاهر بدنه ، كذلك من ليس له الطهارة القلبيّة عن الأفكار الرديّة النفسانيّة ، والأخلاق الرذيلة الشيطانيّة محروم عن إدراك حقايق القرآن ، والصعود في مدارج مراتب الإيمان.
فالحرمة في الأول تشريعيّة ، وفي الثاني تكوينيّة ، كما أنّ الاستعاذة المندوب إليها عند القرائة قوليّة وفعليّة ، بل النافع منها هي الثانية.
كما لوّح إليه الإمام عليهالسلام في قوله : «فاذا خشع لله قلبه فرّ منه الشّيطان الرجيم»
مستشهدا بالآية الشريفة.
بل ورد في النبوي : «لو لا أنّ الشياطين يحومون على قلوب بنى آدم لنظروا إلى الملكوت» (١).
ومن البيّن أنّ التدبّر في معاني القرآن وأسراره إنّما هو من الملكوت التي لا تدرك إلّا بالإدراكات القلبيّة الّتى هي من عالم النور ، فلا يدركها مدارك المحجوبين المنغسمين في غواسق عالم الغرور ، فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتى في الصدور.
ولذا جعل بالجعل التكويني الثانوى بمقتضى الفطرة المغيّرة الشيطانيّة بسوء اختيارهم في قلوبهم أكنّة أن يفقهوه ، وفي آذانهم وقرا ، (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) (٢).
وهو الحجاب المشار إليه بقوله : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ
__________________
(١) بحار الأنوار ج ٧٠ ص ٥٩ ح ٣٩ عن أسرار الصلاة.
(٢) فصلت : ٥.