الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) (١).
وهذا الحجاب وهو حجاب الكفر أوّل الحجب وأعظمها ، وأشدّها على أهله ، وأبعدها من قبول الحقّ واستماع الصدق.
وثانى الحجب : حجاب الفسق والخروج عن الطاعة باقتراف كبيرة ، أو بالإصرار على صغيرة ، أو بالتخلّق بشيء من الأخلاق الرديّة المهلكة كالكبر ، والعجب ، والرياء ، وغيرها ممّا يجمعها متابعة الأهواء التي قد ورد أنّها الشرك الخفي.
بل في النبوي : «أبغض إله في الأرض الهوى».
وهذا كلّه مما يوجب ظلمة القلوب وكدورتها وزيفها ، وصداها ، كالمرآة الصافية إذا تراكمت عليها الغبار ، وحجبها عن إشراق الأنوار.
ولذا شرط الله تعالى الإنابة في الفهم والتذكّر ، قال تعالى : (وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) (٢) وقال تعالى : (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) (٣) وقال تعالى : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٤).
ومن البيّن أنّ الذي آثر غرور الدنيا العاجلة الفانية الداثرة على الفوز بالتقرّب إلى الله ، ونعيم الآخرة فليس من ذوي الألباب ، ولذا يتراكم على مرآة قلبه أغطية القسورة والارتياب ، ولا ينكشف له أسرار الكتاب ، لأنّ بينه وبين
__________________
(١) الإسراء : ٤٥.
(٢) غافر : ١٣.
(٣) ق : ٨.
(٤) الرعد : ١٩ ـ الزمر : ٩.