اعلم أنّه ربما يتوهّم أنّ الجاهل بمعاني القران ، والأذكار ، والأدعية ليس له أجر وثواب في ذلك ، وهو واضح الفساد ، بل مخالف لما هو الضروري من ثبوت الوظائف الشرعيّة الواجبة والمندوبة لعامّة المكلّفين ، وحصول الإجزاء بمجرّد امتثال الظواهر ، ولو في الصلاة والقرائة ، وعدم وجوب المعرفة بالمعاني والحقائق ، نعم يختلف مراتب العقول ، ودرجات الفضل والثواب باختلاف الناس في ذلك ولا كلام فيها.
خامسها : حجاب القرائة ، والاستقصاء في مراعاة تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها وحفظ صفاتها ، وهذا الحجاب كالحجب المتقدّمة من الحجب الظلمانيّة التي تمنع القلوب من مشاهدة أنوار الغيوب ، بل لا يزال الرجل معه مشتغلا بترديد الحروف وتكريرها ، مستغرق الهمّة في مراعاة صفاتها ، وآدابها الّتى ملأوا منها كتب التجويد والقرائة ، بل لو لم يكن إلّا مراعاة الصفات المتعددة المعدودة لكل حرف حرف لكفى به شغلا شاغلا عن التدبّر في معاني القرآن ، والتفكر في حقائقه وقد يقال : إنّه قد وكّل بذلك شيطان يصرف الناس عن فهم معاني كلام الله تعالى ، ولا يزال يحملهم على ترديد الحروف يخيّل إليهم أنّه لم يخرج من مخرجه ، حتى يكون تأمّله مقصورا على مخارج الحروف فهو أعظم أضحوكة للشيطان ، وأبعد عمّا يراد به من التدبر في القرآن.
وربّما ينضمّ الى ذلك الميل الى التغنّي وترجيع الصوت به ، والتردّد في صنوف الألحان.
بل يلحقهما أمر ثالث وهو ملاحظة الإعراب والبناء ، ووجوه القراءات.
ولذا ورد في الخبر : «من انهمك في طلب النحو سلب الخشوع».
وكلّ من هذه الثلاثة حجاب قويّ لمن ابتلي بها ، إلّا ما كان منها صادرا