على وجه الملكة ، بحيث لا حاجة معها إلى التفات جديد أصلا ، فضلا عن التكلّف والتشدّق الذي لا ينفكّ عنه غالبا أرباب هذه الصناعة ، ولله درّ من قال :
وآخر منهم بالقراءات قد بلي |
|
يغنّى بقول الشاطبي وحمزة |
يلوّي بها شدقيه عند إمالة |
|
كأنّ بها من ميلها ريح لقوة |
سادسها : حجاب العلم بمعنى العقائد التي استمرّ عليها أكثر الناس بالتعلّم من المحجوبين ، وتقليد الآباء وأهل الضلال ، والرجوع الى تفاسير العامّة وبياناتهم ، وتأويلهم المتشابهات على مقتضى آرائهم وأهوائهم الباطلة.
ثمّ إنّ هذه العقائد الباطلة ربما تصير راسخة في النفس بحيث لا يكاد يلتفت معها الى غيرها ، وقد تكون مسموعة متردّدة في الذهن بحيث يمنعه الالتفات إليها عن التوجّه إلى غيرها ، أو الشوق الى تحصيله ، بل ربّما يكون العلم ببعض الظواهر حجابا عن الالتفات إلى الحقائق والبواطن ، وإن كان كلّ منهما حقّا وصدقا بالنسبة الى رتبته ومقامه ، فلا ينبغي الجمود على شيء من الظواهر ، وإن كان حقّا منطبقا على القواعد العربيّة ، لأنّه يؤدّى الى جحود الحقائق ، والبواطن المقصودة.
ولا تظنّن أنّ الغرض من هذا الكلام تسهيل الأمر وجواز التصرف في الآيات القرآنيّة بحسب الأهواء الباطلة والآراء الزائفة ، إذ المقصود ترك الجمود ، ومجانبة اللجاج والجحود ، وعدم الاقتصار على خصوص الظواهر المشهورة ، أو بعض البواطن المأثورة ، فإنّي أرى كثيرا من أهل هذا الزمان قد هجروا القرآن ، ونبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا. فبئس ما يشترون ، فاذا احتاجوا الى تفسير آية رجعوا الى ظواهر اللّغة العربيّة والتفاسير العاميّة ، بل ربما تصرّفوا في معناها بقريحتهم البتراء ، وبصيرتهم العمياء ، من غير رجوع إلى