وهذه الأقفال هي أقفال الكفر والشرك ، والنفاق ، والجهل ، والقسوة ومتابعة الأهواء النفسانيّة ، والآراء الباطلة ، والإشتغال بالحظوظ الدنيويّة والشهوات العاجلة البدنيّة ، وصرف النظر عن شيء من ذلك سيّما في حال القرائة ، فإنّ هذه كلّها حجب وموانع عن حسن الإصغاء والتدبّر ، فضلا عن التذكّر ، قال الله تعالى : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) (١).
ولذا خصّ التذكّر بعد ما عمّ التدبّر في قوله : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢).
فبعد التذكّر يتأثّر قلبه من كلّ آية من الآيات على ما هي عليه من بواعث الخوف الرّجاء ، وإن قيل : إنّه مهما تمتّ معرفته كانت الخشية أغلب الأحوال على قلبه ، فإنّ التضييق غالب على آيات القرآن فلا ترى ذكر المغفرة والرحمة إلّا مقرونا بشروط يقصر العارف عن نيلها ، ولذا ذكر شروطا أربعة لنفى الخسران فيما استثناه في سورة العصر ، وللمغفرة في قوله : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (٣).
لكنّ الإنصاف أنّ ذلك كلّه إنّما هو بالنظر إلى أعمالنا القاصرة الناقصة المشوبة ، وأمّا بالنظر الى فضله ورحمته فآيات الرّجاء كثيرة أيضا : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٤).
__________________
(١) الإسراء : ٤٥.
(٢) ص : ٢٩.
(٣) طه : ٨٢.
(٤) يونس : ٥٨.