تلك الغشية التي عرضت للنبي صلىاللهعليهوآله تارة ، هل كان عروضها عند هبوط جبريل عليهالسلام؟ فقال عليهالسلام : لا ، إنّ جبريل عليهالسلام كان إذا أتى النبي صلىاللهعليهوآله لم يدخل عليه حتى يستأذنه ، فإذا دخل قعد بين يديه قعدة العبد ، وإنّما ذلك عند مخاطبة الله عزوجل إيّاه بغير ترجمان وواسطة (١).
أقول : وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) (٢).
بل ربما تعرّض له عليهالسلام تلك الحالة بالسّماع من البشر المؤدّي إليها أحيانا ففي «المجمع» عنه صلىاللهعليهوآله أنّه سمع قارئا يقرأ : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً) (٣) الآيات فصعق عليه صلوات الله (٤).
لكنّه ينبغي أن يعلم أنّ هذه الدرجة ليست سهلة التناول لكلّ طالب ، فلا يصدّق بنيلها كلّ مدّع ، وإن ادّعاها بعض أرباب التكلّف من أهل التصوف ، بل ربما يشتعل في قلوبهم نيران محبّة المرد ، ومشاهدة الوجوه الحسان ، أو لغير ذلك من الرّياء ، وطلب الدّنيا ، واغترار النّاس ونحوها من أغراضهم الباطلة ، فيتغنّون بالقرآن ، ويتّخذونها من المزامير والملاهي ، ويرجعون به ترجيّع الملاعب اللاهي ، بل ربما يسمع منهم زفير وشهيق ، ويجتمع الزبد في أشداقهم كالصديد المغليّ على نار ذات الحريق.
__________________
(١) بحار الأنوار ج ١٨ ص ٢٦٠ عن كمال الدين ص ٥١.
(٢) سورة النمل : ٦.
(٣) المزمّل : ١٢.
(٤) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٨٠.