ومن قصّة هاروت وماروت على ما اشتهر بهذه الآية حيث اشتملت على وجوه من الدّلالة ، حتّى أنهاها بعضهم إلى ثمانية عشرة خصلة ذميمة كانت كامنة فيهم ، وقد ظهرت بالاختيار الذي هو الاخبار عن خلق الخلفاء والأخيار وذلك لا يتمّ اعترضوا على الله الحكيم في فعله ، وذلك من أعظم الذنوب ، وطعنوا في بني آدم بالإفساد وسفك الدّماء وهي الغيبة الّتي هي من الكبائر ، وتمدحوا بخلوّ أنفسهم عنهما ، وباشتغالهم بالتحميد والتقديس ، بل وبانحصار ذلك بهم ، حتّى كانّهم نفوا كون غيرهم كذلك وهو يشبه العجب والغيبة اللذين هما من المهلكات والكبائر ، مع ما يظهر منه من التزكية وسوء الظّن ، والتّفحص عن معائب الغير ، وحسدهم على فضيلته وصلاحيّته للخلافة ، وحرصهم عليها ، واضافتهم العبادة إلى أنفسهم لا إلى حول ربّهم وقوّته وتوفيقه وعصمته ، واعتمادهم على القياس والاستنباط ، والقول بغير علم سيّما في القدح على الغير ، وفي الاعتراض على الحكيم وذلك لأنّ علمهم بذلك لو كان مستندا إلى الوحي لم يكن لإعادة ذلك الكلام فائدة مع انّ قوله : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١) يدلّ على أنّهم كانوا كاذبين فيما قالوا وأنّ قوله : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (٢) يدلّ على أنّهم ما كانوا عالمين بذلك قبل هذه الواقعة ، وأنّهم كانوا شاكين في كونه تعالى عالما بكلّ المعلومات ، وإنّ قولهم : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) (٣) يشبه الاعتذار ولو لا تقدم الذنب لما اشتغلوا بالعذر ، هذا مضافا
__________________
(١) البقرة : ٣١.
(٢) البقرة : ٣٣.
(٣) البقرة : ٣٢.