عرضهم ـ وهم أرواح ـ على الملائكة فقال : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) بأنكم أحقّ بالخلافة في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم عليهالسلام (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) قال الله تبارك وتعالى (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكره فعلموا أنّهم أحقّ بأن يكونوا خلفاء الله في ارضه وحججه على بريّته ، ثمّ غيّبهم عن أبصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبّتهم وقال لهم : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (١).
وهذا استعباد الله عزوجل للملائكة بالغيبة ، والآية أوّلها في قصّة الخليفة ، وإذا كان اخرها مثلها كان للكلام وفي النظم حجّة ، ومنه يوجد وجه الإجماع لأمّة محمّد صلىاللهعليهوآله أوّلهم وآخرهم ، وذلك انّه سبحانه إذا علّم آدم الأسماء كلّها على ما قاله المخالفون ، فلا محالة انّ اسماء الأئمّة صلوات الله عليهم داخلة في تلك الجملة ، فصار ما قلناه في ذلك بإجماع الأمّة ، ومن أصحّ الدّليل عليه انّه لا محالة لمّا دلّ الملائكة على السجود لآدم فانّه حصل لهم عبادة ، ولمّا حصل لهم عبادة أوجب باب الحكمة ان يحصل لهم ما هو في حيّزه ، سواء كان في وقت او في غير وقت ، فانّ الأوقات ما تغيّر الحكمة ولا تبدل الحجّة ، اوّلها كآخرها واخرها كأوّلها ، لا يجوز في حكمة الله ان يحرمهم معنى من معاني المثوبة ، ولا أن يبخل بفضل من فضائل الأئمّة لأنّهم كلّهم شرع واحد ، دليل ذلك أنّ الرسل متى آمن مؤمن بواحد منهم او بجماعة وأنكر واحدا منهم لم يقبل منه إيمانه ، كذلك القضيّة في الأئمّة صلوات الله عليهم اوّلهم
__________________
(١) كمال الدين : ص ٩ ـ ١٠.