وأنّ التقدير ـ وآمنوا بانزالي لما معكم من التوراة ـ فتكون اللام في (لِما) من تمام المصدر لا من تمام (مُصَدِّقاً) ، وعلى القول الأوّل يكون (لِما مَعَكُمْ) من تمام (مُصَدِّقاً) ، واللام على كلا التقديرين في (لِما) مقوّية للتعدية كاللام في قوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١).
والمراد بما أنزل الله تعالى هو القرآن ، والذي معهم هو التوراة والإنجيل.
وقال قتادة (٢) : المراد بما أنزلت من كتاب ورسول يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل (٣).
وإذا تدبّرنا الكتاب الكريم وتعقّلنا معنى النزول والإنزال من الله تعالى علمنا أنّ النزول والإنزال لم يكونا من السماء المحسوسة بالبصر ، فإنّ الله سبحانه وتعالى منزّه عن المكان بل المراد النزول والإنزال عن مقام أسمى من التصور.
فكما أنّ القرآن نازل إلى أراضي القلوب من سماء الربوبيّة كذلك الرسول نازل برسالته ووحيه ـ وتتحمّل الآية الكريمين كليهما ـ وصرّح سبحانه بأنّه تعالى أنزل كتابه وأنزل رسوله ـ قال تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ
__________________
(١) البروج : ١٦.
(٢) هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز ابو الخطاب السدوسي البصري ـ مفسّر حافظ ضرير أكمه ـ كان أحفظ أهل البصرة ـ ولد سنة (٦١) ه ومات بواسط سنة (١١٨) ه ، الأعلام : ج ٦ ص ٢٧.
(٣) البحر المحيط لأبي حيّان الاندلسي محمد بن يوسف المتوفى (٧٥٤) : ج ١ ص ١٧٦ ـ ١٧٧.