تلك الخلافة بل من خلق آدم وغيره هو الخلافة الكليّة الثابتة لنبيّنا صلىاللهعليهوآله ، حيث إنّه بعث في الأمّيّين لينذر أمّ القرى ومن حولها ، فكما أنّ الأرض دحيت من مكة ، فكذلك أعلام العلم والهداية تشرّف منها ، ولعلّ هذا هو السرّ في إعلام الملائكة بخلق آدم الذي هو طليعة ظهور الخاتم الذي هو علّة وجود العالم ، لأنّه المخاطب بقوله : «لولاك لما خلقت الأفلاك» (١) ففي الإبشار بوجوده قبل خلقه واستحقاقه الخلافة الالهيّة وجامعيّة المطلقة ، سيّما مع إزاحة ما ربما يختلج في صدورهم من الشك في فضله أو التّرديد في سببه إشارات إلى تعظيمه وتكريمه واظهار لفضله الرّاجح على ما فيه من المفاسد ، سيّما مع كونه مستودعا للأنوار الالهيّة والأشباح القدسيّة التي هي أنوار الأئمة عليهمالسلام.
بقي الكلام في أمور : أحدها أنّه لا خلاف بين الملّيّين القائلين بحدوث العالم في تأخر خلقة آدم عن هذا العالم الجسماني ، واختلفوا في قدر تأخّره ، كما أنّهم قد اختلفوا في قدر بقائه فالاحكاميون منهم بنوا ذلك على ما اصطلحوا عليه من حساب الأدوار ، وذلك انّهم أجمعوا على أن الكواكب السّبع السيّارة كانت في بدو خلق العالم مجتمعة مقترنة في أوّل نقطة برج الحمل وانّ أوجاتها وجوزهريّتها كانت مقترنة معها في أوّل دقيقة من الحمل ، بل وكذا الثوابت على رأي المتأخرين الذين ذهبوا إلى أنّ لها حركة بطيئة ، وتنقسم الأدوار عندهم إلى أدوار الألوف وأدوار الفصول ، وللأول أقسام أربعة : أعظم واكبر وأوسط وأصغر ، ولكلّ منها تيسير وانتهاء ، ولهم في ذلك كلام طويل لا طائل تحت التعرض له ، وزعموا أن مقدار عمر
__________________
(١) بحار الأنوار ج ١٦ ص ٤٠٦ عن المناقب لابن شهر آشوب.