وعلى خلاف خلق النّسناس يدبّون كما يدبّ الهوام في الأرض يأكلون ويشربون كما تأكل الأنعام من مراعي الأرض كلّهم ذكران ليس فيهم إناث ، لم يجعل الله فيهم شهوة النّساء ولا حبّ الأولاد ولا الحرث ولا طول الأمل ولا لذة عيش ولا يلبسهم الليل ولا يغشاهم النّهار ليسوا ببهائم ولا هوام لباسهم ورق الشجر وشربهم من العيون الغزار والأودية الكبار ، ثمّ أراد الله أن يفرقهم فرقتين فجعل فرقة خلف مطلع الشمس من وراء البحر ، فكوّن لهم مدينة أنشأها تسمّى «جابلقا» طولها اثنى عشر ألف فرسخ في اثنى عشر ألف فرسخ ، وكوّن عليها سورا من حديد يقطع الأرض إلى السّماء ثم أسكنهم فيها ، وأسكن الفرقة الاخرى خلف مغرب الشمس من وراء البحر وكوّن لهم مدينة أنشأها تسمّى «جابلقا» طولها اثنى عشر ألف فرسخ في اثنى عشر ألف فرسخ وكوّن لهم سورا من حديد يقطع الى السّماء فاسكن الفرقة الاخرى فيها ، لا يعلم أهل جابرسا بموضع أهل جابلقا ، ولا يعلم أهل جابلقا بموضع أهل جابرسا ، ولا يعلم بهم أهل أوساط الأرض من الجنّ والنّسناس ، فكانت الشمس تطلع على أهل اوساط الأرضين من الجنّ والنّسناس فينتفعون بحرّها ويستضيئون بنورها ، ثمّ تغرب في عين حمئة فلا يعلم بها أهل جابلقا إذا غربت ، ولا يعلم أهل جابرسا إذا طلعت ، لأنّها تطلع من دون جابرسا وتغرب من دون جابلقا.
فقيل : يا أمير المؤمنين فكيف يبصرون ويحيون وكيف يأكلون ويشربون وليس تطلع الشمس عليهم؟ فقال عليهالسلام : إنّهم يستضيئون بنور الله فهم في أشدّ ضوء من نور الشمس ، ولا يرون أنّ الله تعالى خلق شمسا ولا قمرا ولا نجوما ولا كواكب لا يعرفون شيئا غيره ، فقيل : يا أمير المؤمنين فأين إبليس عنهم؟ قال لا يعرفون