ولا بد أن يكون الإمام قد حمل مع هذه الأجزاء تفسيرها ، فالقرآن هاد ومهدي ، ومن كان هذا شأنه فلا بد أن يكون من الوضوح وعدم الالتباس بما لا يمكن أن تتعامى ألفاظه ومعانيه على أحد وإلا كان القرآن فيما إذا عميّت آياته دون بيان وتوضيح ـ مضللا مفرقا للأمة ـ لا سمح الله وبدل أن يكون كتاب هداية سيكون سببا للفرقة والتناحر لاختلاف مفاهيمه والتباس تفسيره ، ألا ترى أن أكثر الفرقة بين المسلمين هو لاختلاف المشارب في الفهم ، واضطراب المذاهب في التفسير؟ وكم كانت للخوارج من حروب ، وكم كان للمرجئة من فتن ، وكم كان للآخرين ممن تذوقوا القرآن على أساس مشتهياتهم من هرج ومرج في الآراء والفرق ، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد أن يكون للتفسير مصدره الواحد ، وللفهم ذوقه النبوي الذي يتلقاه من لدن حكيم خيبر ، وقوله تعالى يشهد على ذلك.
(وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً)(١).
وهذه العناية الإلهية بنبيه الأكرم الذي أنزل الذكر ومعه تفسيره وبيانه بما حظيت به الأمة من شرف الرعاية الإلهية والهداية التفسيرية بما لا يبقى لأحد شك ولا ريب في فهم المقصود وتفسير المراد ، وهكذا فالقرآن الذي جمعه الإمام علي عليهالسلام لا يخلو من تفسيره ، لئلا تختلف الأمة وتتقهقر في مفاهيمها لكن أنى لها ذلك وقد رفضته ولم تقبله ، وأبعدته ولم ترضه فكان عاقبة أمرها خسرا بين
__________________
(١) سورة الفرقان ، الآية : ٣٣.