فكما أن قضية المنافاة بين المتناقضين لا تقتضي تقدم ارتفاع أحدهما في ثبوت الآخر ، كذلك في المتضادين (١) ، كيف ولو اقتضى التضاد توقف
______________________________________________________
(١) وحاصل ما اورده ـ على دعوى كون عدم الضد مقدمة لوجود ضده ـ ايرادان :
الاول : ان التضاد بين الشيئين لا يقتضي إلّا انهما لا يجتمعان ، وليس لازم عدم الاجتماع بين الشيئين التمانع الذي لازمه ان يكون عدم احدهما مقدمة لوجود الآخر ، فإن كون عدم احدهما مقدمة لوجود الآخر غير معقول ، لأن من الواضح ان العلة التامة لها التقدم العليّ على معلولها ، واما أجزاء العلة كالمقتضي والشرط الذي من جملته عدم المانع فإن لكل من هذه الأجزاء التقدم بالطبع الذي مناطه امكان ان يتحقق السابق من دون اللاحق ، ولا يمكن ان يتحقق اللاحق ولا يتحقق السابق معه كتقدم الواحد على الاثنين ، ولا يعقل ان يكون مثل هذا التقدم في عدم الضد على وجود ضده الآخر ، لانه من الواضح ان كل متناقضين في رتبة واحدة لأن كل نقيض هو البديل لنقيضه الذي يحل محلّه.
ومن الواضح ـ أيضا ، أنه ليس بين وجودي الضدين تقدم ولا تاخر لضرورة ان وجود كل واحد من الضدين لا ربط له بوجود الضد الآخر ، والتقدم والتاخر الطبعي انما هو لأجزاء علة الشيء ، اما أجزاء علة القوام كتقدم كل من أجزاء المركب على المركب ، أو علل الصدور كتقدم كل من المقتضي والشرط على المعلول ووجود الضد بالنسبة إلى وجود ضده ليس من علل قوامه ولا من علل صدوره ، فليس بين وجوديهما تقدم ولا تاخر. وكل نقيض حيث انه هو البديل الذي يحل محل نقيضه فلا يعقل إلّا ان يكون هو ونقيضه في مرتبة واحدة ، فعدم احد الضدين الذي هو النقيض لوجوده انما يحل محل وجوده فهو في رتبته. وحيث لا تقدم ولا تاخر بين وجودي الضدين فلا بد وان يكون نسبة نقيض وجود كل منهما وهو عدمه بالنسبة إلى وجود الضد الآخر كذلك لا تقدم بينهما ولا تاخر.