ولا بأس بذكر الاستدلال الذي هو كالاصل لغيره مما ذكره الافاضل من الاستدلالات وهو ما ذكره أبو الحسن البصري (١) ، وهو أنه لو لم يجب المقدمة لجاز تركها ، وحينئذ ، فإن بقي الواجب على وجوبه يلزم التكليف بما لا يطاق ، وإلا خرج الواجب المطلق عن وجوبه (٢).
______________________________________________________
(١) حاصله : انه قد ورد في الشرع اوامر بالمقدمة وهي مولوية لأن الظاهر من الامر هو المولوية لانه صادر من مولى الموالي إلى عبيده ، فان الفارق ـ كما مر ـ بين الامر المولوي والامر الارشادي هو ان الامر الصادر من المولى بما هو مولى إلى عبده امر مولوي والصادر منه بما انه مرشد لا مولى هو أمر ارشادي. وفي العرفيات أيضا الاوامر الغيرية المولوية متحققة ، وحكم الامثال واحد.
ولا اشكال ان مناط هذه الاوامر الغيرية هو المقدمية فلازم ذلك ان يكون المناط في كل مقدمة للأمر الغيري موجودا وان لم يلتفت الآمر اليه ، والى ما قلنا أشار بقوله : «لا يكاد يتعلق بمقدمة امر غيري» إلى آخره ، والى ان حكم الامثال واحد بقوله : «واذا كان فيها كان في مثلها» وكان الاولى ان يقتصر على التأييد لأن كون الظاهر من الاوامر الغيرية هي المولوية محل تامل ، اذ الامر وان كان ظاهره المولوية إلّا انه فيما إذا لم تقم قرينة على غيره ، وفي المقام يمكن ان يدعي ان ارشاد العقل إلى لزوم الاتيان بالمقدمة قرينة على ان الاوامر الغيرية ارشادية لا مولوية.
(٢) لا يخفى ان ظاهر ما استدل به ابو الحسن البصري على وجوب المقدمة : هو انه لو لم تجب المقدمة لجاز تركها ، والظاهر من الجواز هو الاباحة الشرعية ، وحينئذ فإن بقي الواجب على وجوبه لزم التكليف بما لا يطاق ، وإلّا خرج الواجب المطلق عن كونه واجبا ، والظاهر من المضاف اليه الظرف ـ وهو حين ـ هو الاباحة الشرعية ، فيكون حاصل الاستدلال : انه لو لم تجب المقدمة لكانت مباحة شرعا ، وحين اباحتها شرعا فإن بقي الواجب واجبا مع كون مقدمته مباحة شرعا يلزم التكليف بما لا يطاق ، وان لم يبق واجبا لزم الخلف ، لأن المفروض كونه واجبا.