في حالة عدم البيان.
والاعتراض الآخر : ان أدلّة البراءة تختصّ بموارد الشكّ البدوي ، والشبهات الحكمية ليست مشكوكات بدويّة ، بل هي مقرونة بالعلم الاجمالي بثبوت تكاليف غير معيّنة في مجموع تلك الشبهات.
أما الاعتراض الأوّل فنلاحظ عليه عدّة نقاط :
الاولى : إنّ ما استدلّ به على وجوب الاحتياط ليس تامّا كما يظهر باستعراض الرّوايات التي ادّعيت دلالتها على ذلك ، وقد تقدّم في الحلقة السابقة استعراض عدد مهمّ منها مع مناقشة دلالتها ، نعم جملة منها تدلّ على الترغيب في الاحتياط والحثّ عليه ولا كلام في ذلك.
الثانية : إنّ ادلّة وجوب الاحتياط المدّعاة ليست حاكمة على أدلّة البراءة المتقدّمة لما اتّضح سابقا من أنّ جملة منها تثبت البراءة المنوطة بعدم وصول الواقع (١) ، فلا يكون وصول وجوب الاحتياط رافعا لموضوعها ، بل يحصل التعارض حينئذ بين الطائفتين من الأدلّة.
الثالثة : إذا حصل التعارض بين الطائفتين فقد يقال بتقديم أدلّة
__________________
(١) وهما قوله تعالى (لا يكلّف الله نفسا إلّا ماءاتاها) أي إلّا التكاليف الواقعية التي أعلمها إيّاها وقوله تعالى (وما كان الله ليضلّ قوما بعد اذ هداهم حتى يبيّن لهم ما يتّقون ،) أي حتى يبيّن لهم الاحكام الواقعية التي يتّقونها ، ومفاد أدلة الاحتياط وجوب الاحتياط عند الجهل بالاحكام الواقعية ، فسيتعارضان ، ولن تكون ادلّة الاحتياط حاكمة على هاتين الآيتين ، لانها لا تتصرّف بموضوعهما ، ولسانها ليس لسان أن وجوب الاحتياط هو بيان للحكم الواقعي تعبدا.