تجري كلّما كان الشك في قيود التكليف ، وان قيود التكليف تارة تكون على وزان مفاد كان التامّة (١) ، بمعنى إناطته بوجود شيء خارجا ، فيكون الوجود الخارجي قيدا (٢) ، واخرى يكون على وزان مفاد كان الناقصة ، بمعنى إناطته باتصاف شيء بعنوان فيكون الاتصاف قيدا فإذا شك في الوجود الخارجي على الأوّل او في الاتصاف على الثاني جرت البراءة وإلّا فلا.
وعلى هذا الضوء نستطيع ان نعمّم فكرة قيود التكليف التي هي على وزان مفاد كان الناقصة على عنوان الموضوع وعنوان المتعلّق معا ، فكما ان حرمة الشرب مقيّدة بأن يكون المائع خمرا ، كذلك الحال في حرمة الكذب ، فإنّ ثبوتها لكلام مقيّد بأن يكون الكلام كذبا ، فاذا شك في كون كلام ما كذبا كان ذلك شكا في قيد التكليف.
وهكذا نستخلص : أن الميزان الاساسي لجريان البراءة هو الشك
__________________
(١) «كان» التامّة هي التي تفيد معنى الوجود ، وبالتالي لا تحتاج إلى خبر.
كقوله تعالى : (إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) ، (وكان) الناقصة هي التي تفيد معنى الاتصاف.
(٢) نحو وجود البلوغ والعقل والزوال والاستطاعة للحج في الخارج.
ومراد السيد من هذه الفقرة القائلة «ولكن بتدقيق أعمق ...» انه لا بأس بما افاده المحقق النائيني (قده) من تقيد التكليف بالخمر والفقر ، ولكن على ان يكون التقيد بنحو الاتصاف اي بنحو مفاد كان الناقصة ـ لا بنحو مفاد كان التامّة ـ اي كلما كان مائع ما متصفا بالخمرية ـ سواء وجد في الخارج ام لم يوجد ـ فحرمة شربه فعلية على المكلّف. فاذا شك في خمرية الموجود أو في انّ الفعل الفلاني يؤدّي الى الخمر فانها تجري البراءة.