ثانيا : إنّه ليس من الضروري أن يوجد أصل عملي شرعي في كلّ مورد ، وإنّما هو تابع لدليله ، فقد يوكل الشارع أمر تحديد الوظيفة العملية للشاكّ إلى عقله العملي ، وهذا خلافا للأصل العملي العقلي فانّه لا بدّ من افتراضه بوجه (١) في كلّ واقعة من وقائع الشك في حدّ نفسها.
ثالثا : إنّ الاصول العملية العقليّة قد تردّ إلى أصلين ، لأنّ العقل إن
__________________
وقد تقول : إنّ المصلحة والمفسدة ينبغي أن تكونا من مدركات العقل العملي لأنّها محرّكة.
ولكن قد فاتك أنّ المراد من كون المصلحة والمفسدة من مدركات العقل النظري إنّما هو بلحاظ متعلّقه لا بلحاظ فاعله ، فأنت تارة تدرك انّ في دراسة الطب في ذاتها مصلحة ، لكن إذا قستها إلى نفسك وعملك فقد لا تكون حسنة وملائمة بالنسبة لك ، ككونك كثير النسيان مثلا.
نعم إذا أدركت انّ في دراسة الطب بالنسبة إليك مصلحة غالبة على المفسدة ، فستكون حينئذ حسنة وملائمة وينبغي فعلها ويكون هذا الادراك من ادراكات العقل العملي ، لأنّه سيكون حينئذ محرّكا مباشرة.
ومن هنا تعرف لما ذا ترجع الاصول العملية العقلية إلى مدركات العقل العملي في مجال الامتثال وحقّ الطّاعة.
(١) فلا بدّ من وجوده دائما كاصل أعلائي يرجع إليه مع فقد الأدلّة الشرعية ، فانه ما من حالة مجهولة الحكم إلّا وللعقل فيها حكم ، فقبل الفحص في الأدلة يحكم العقل بالاحتياط ، وأما بعد الفحص فالمشهور يرون أن العقل يحكم بالبراءة والسيد الشهيد يرى أن العقل يحكم بالاحتياط ، وفي حالة تردد الحكم بين الحرمة والوجوب المعروف أن العقل يرى لزوم مراعاة احتمال الحرمة لكون دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة ، وفي حالة العلم الإجمالي يرى العقل لزوم الاحتياط ..