وقد يستدلّ عليه بعدّة وجوه :
الأوّل : ما ذكره المحقق النائيني (رحمهالله) (١) من أنّه لا مقتضي للتحرّك مع عدم وصول التكليف ، فالعقاب حينئذ عقاب على ترك ما لا مقتضي لايجاده وهو قبيح (٢). وقد عرفت في الحلقة السابقة انّ هذا الكلام مصادرة ، لأنّ عدم المقتضي فرع ضيق دائرة حقّ الطاعة وعدم شمولها عقلا للتكاليف المشكوكة ، لوضوح أنّه مع الشمول يكون
__________________
علي بن زهرة الحلبي (٥١١ ـ ٥٨٥ ه) فقال : «بقبح التكليف مع عدم العلم لأنّه من التكليف بغير المقدور». ويرد عليه أنّه قد يمكن الاحتياط فكيف تقول بأنّ التكليف بالمجهول غير مقدور؟! وأجيب عنه بأنّ مراده عدم امكانية الامتثال التفصيلي!
وجاء بعده المحقق الحلّي (٦٠٢ ـ ٦٧٦) فقال : إنّ التكليف بشيء مع عدم نصب دليل عليه قبيح ، وعدم وصول الدليل دليل على عدم وجوده.
وقد آمن صاحب المعالم (الشيخ حسن بن الشهيد الثاني ٩٥٩ ـ ١٠١١) بتقريب المحقق.
ونقل ذلك عن القوانين ..
ثمّ آمن الشيخ الأعظم الأنصاري بها فقال : «الثالث من الأدلّة حكم العقل بقبح العقاب على شيء من دون بيان التكليف ، ويشهد له حكم العقلاء كافّة بقبح مؤاخذة المولى عبده على فعل ما يعترف بعدم إعلامه أصلا بتحريم».
ومن زمانه (رضي الله عنه) تبلورت فكرة «قبح العقاب بلا بيان» ، وبدأ الكلام في حدود جريانها ، فهل تجري في الشبهتين المفهومية والموضوعية أم لا؟ ... راجع ـ مثلا ـ تقريرات السيد الهاشمي ج ٥ ص ٢٥ فما بعد.
(١) فوائد الاصول ج ٣ ص ٣٦٥
(٢) راجع أجود التقريرات ج ٢ ص ١٨٦