الثاني الوظيفة العملية أو التنزيل منزلة اليقين بلحاظ الجري العملي بدون تضمّن لجعل الطريقية ، وقد تقدّم الكلام عن ذلك ، ومرّ بنا أنّ هذا ليس هو الفرق الحقيقي. وحاصل فذلكة الموقف أنّه لم يرد عنوانا (الامارة) و (الأصل) في دليل ليتكلّم عن تمييز أحدهما عن الآخر بأيّ نحو اتّفق ، وإنّما نعبّر بالامارة عن تلك الحجّة التي لها آثارها المعهودة بما فيها إثباتها للأحكام الشرعية المترتّبة على اللوازم العقلية لمؤدّاها (١) ، ونعبّر بالأصل
__________________
(١) تقريب ذلك بمثال : لو نذر شخص بأنّ عليه أن يذبح شاة إذا نبتت لحية ابنه ، وصادف أنّ ولده ضاع صغيرا قبل أن تنبت لحيته ، فان رآه شاهدان عادلان بعد ما كبر وصار في عمر تنبت فيه لحيته ، ولكنهما لم يشهدا على نبات اللحية ـ لعدم التفاتهما إليها حينما رأياه مثلا ـ فانّ على الأب أن يذبح شاة ، وذلك لأنّ اخبارهما عن حياته يستلزم إخباره بنبات لحيته ، وحينما يعطي الشارع المقدّس الحجية للبيّنة أو لخبر الثقة فهو إنّما يعتبره مع كلّ لوازمه ـ شرعية كانت أم عقلية ـ حجّة وعلما تعبديا لكاشفية عن الجميع بقوّة واحدة كما ذكرنا ذلك في الجزء الأوّل.
وأمّا إن لم تقم امارة حجّة ، فانّ النذر لا يثبت في حقّه ، وذلك لأنّ استصحاب حياته إنّما يثبت الآثار الشرعية فقط كحرمة توزيع ماله على الورثة ونحو ذلك ، ولا يثبت نبات اللحية ، لأنّ نبات اللحية أثر عادي لا شرعي. ولا يخفى عليك أنّ وجوب الوفاء بالنذر يعتبر أثرا شرعيا مترتبا على الأثر العادي (الذي هو نبات اللحية). وإن شئت التوضيح أكثر فراجع بحث «مقدار ما يثبت الاستصحاب». وأجود التقريرات ج ٢ ص ١٢ ـ ١٦ وص ٧٨ سطر ٦ وص ٨٤ سطر ١٩ ، وقد ذكرها السيد الشهيد (قده) مرّات في بحث الخارج ، راجع مثلا ج ٥ ص ١٦ ـ ١٩ ، وج ٦ ص ١٧٥ من تقريرات السيد الهاشمي حفظه الله