وأما الثاني : فلأن الغلبة المدعاة إنما هي بالإضافة إلى نوع الكلام لا صنفه كالخطابات المزبورة مثلا ، لما عرفته من أن التكرار فيها غالبا إنما هو لغرض التأكيد ، ولا خفاء في أن الغلبة النوعية محكومة بالغلبة الشخصية.
وأما الثالث : فلأن التأكيد أمر خارج عن الموضوع له والمستعمل فيه ، فحمل اللفظ والكلام على التأكيد لا ينافي لأصالة الحقيقة.
فظهر أن التأسيس والتأكيد على حد سواء لا أولوية بينهما ، فاللازم في دوران الأمر بينهما هو الحكم بإجمال اللفظ والكلام ، وافتقار تعين كل منهما بخصوصه إلى ما لعله يكون ضابطا له في الموارد المختلفة ، وهو أن كل مورد يستلزم حمل اللفظ على التأكيد دون التأسيس فيما إذا دار الأمر بينهما لارتكاب مجاز أو خلاف أصل معتبر ـ وإن لم يخرج اللفظ عن حقيقته الأولية أو الثانوية ـ فالتأسيس وحمل اللفظ عليه أولى من التأكيد وحمله عليه ، وكل مورد لا يستلزم التأكيد وحمل اللفظ عليه لشيء من الأمرين ، فالتأكيد وحمل الكلام عليه أولى من التأسيس وحمله عليه. وعليك بملاحظته في الموارد.
ثم إن حمل الخطابات الابتدائية المزبورة على التأكيد هل يوجب شيئا من الأمرين المزبورين أو لا؟ قد يقال بالأول ، لأن حملها على التأكيد مستلزم لكونها للإرشاد ، وهو مخالف للأصل والظاهر ظاهرا. لكن الصواب خلافه ، لأن الخطاب الإرشادي : تارة يراد به ما سيق لمجرد النصح والهداية ، بحيث لا يكون الغرض منه البعث والتحريك إلى متعلقه ولا الكشف عن محبوبيته أيضا كالخطابات الصادرة عن الأطباء في مقام العلاج والطبابة. وأخرى يراد منه ما لا يترتب على موافقته ومخالفته ثواب وعقاب ، لكن يكون متعلقه