هُمْ وَالْيَهُودُ فَوَلَّوْا رَاجِعِينَ فَرَدَّهُمُ الَّلهُ (بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً) فكان هذا الفتح بإقدام علي علیهما السلام وثباته وقتل هذا الطاغية وابنه بمنازلته وثباته حتى ولى الجمع الكثيف المتزاحم وانجلى ذاك القتام (١) المتراكم وتفرق المشركون عباديد (٢) بعد الالتيام متبددين بعد الانتظام وإذا أردت أن تعرف مكان منازلة علي لعمرو ومحل عمرو من النجدة والبسالة فانظر إلى منع النبي صلی الله علیه وسلم عليا علیهما السلام من مبارزته حتى أذن له في الثالثة وحسن طاعة علي علیهما السلام وسكوته مرة بعد مرة مع شدة حرصه على الجهاد ومعرفته بما أعده الله فيه من الأجر وميله إلى الذب عن رسول الله صلی الله علیه وسلم وقوة باعثه على الشجاعة التي ينطوي عليها وفي بعض هذه الدواعي ما تحف له حصاة الحليم وتدخل به الشبهة على الحكيم ولكنه صلی الله علیه وسلم الجبل الراسخ والطود الشامخ الذي لا تزعزعه العواصف ولا تقلقله الرواجف وهو واقف عند أمر رسول الله صلی الله علیه وسلم عنه يصدر وعنه يرد وبه يأخذ وعليه يعتمد.
ثُمَّ لَمَّا ذَهَبَ أَبُو سُفْيَانَ بِقُرَيْشٍ خَابِياً وَرَجَعَ إِلَى وِجَارِهِ بِجَمْعِهِ هَارِباً قَصَدَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم بَنِي قُرَيْظَةَ لِمُوَافَقَتِهِمُ الْأَحْزَابَ وَمُظَاهَرَتِهِمْ قُرَيْشَ وَأُولَئِكَ الْأَوْشَابَ (٣) وَسَلَّمَ رَايَتَهُ إِلَى عَلِيٍّ علیهما السلام وَتَبِعَهُ النَّاسُ وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَفَتَحَ اللهُ حُصُونَهَمْ وَأَزَالَ مَصُونَهُمْ وَأَبَاحَهُ أَبْكَارَهُمْ وَعُونَهُمْ وَأَنْزَلَهُمُ اللهُ كَمَا قَصَّ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَمَكَّنَهُ مِنْ دَانِيهِمْ وَقَاصِيهِمْ وَقَذَفَ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ مُطِيعِهِمْ وَعَاصِيهِمْ وَعَمَّهُمُ الْقَتْلُ وَالْإِسَارُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ وَلَهُمْ فِي الْأُخْرَى النَّارُ وَأَوْرَثَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ (أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ) وَأَطْفَأَ نُورُ الْإِسْلَامِ نَارَهُمْ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ وَسَلَبَ قَرَارَهُمْ قال المفيد رحمهالله
________________
(١) القتام ـ كسحاب ـ : الغبار الأسود.
(٢) أي مفرقا متشتتا.
(٣) الاوشاب بمعنى الأوباش.